تقرير
سياسي
مـن
يبحـث عـن السـلام
منذ
احتلت القوات الصهيونية مرتفعات
الجولان في الخامس من حزيران 1967، وهي
تقطف ثمار نصر عسكري عاجل حققته بفعل
معطيات ذاتية، وعربية، ودولية في وقت
واحد.. فليس القدرات العسكرية لقادة
العدو، ولا شجاعة المقاتل الصهيوني،
ولا التسليح المتفوق لهذا المقاتل، هي
التي حققت النصر السريع منفردة.. وإنما
شاركت عوامل أخرى، ومنها الطرف العربي
بدور لا يستهان به في تقديم هذا النصر
على طبق من ذهب. كما كان للمعادلة
الدولية أثرها البالغ في تحقيق النصر
الصهيوني، ومن ثم تكريس الاحتلال لمدة
قاربت أربعة عقود.
لقد
دفعت القوات الغازية زهيداً ثمن
انتصارها، بينما لم تدفع أي ثمن مقابل
تمتعها المطلق بثمرات هذا الانتصار،
وتكريسه حقيقة واقعة في الجغرافيا
والتاريخ.
المطروح
اليوم دولياً وإقليمياً، أن تتنازل
دولة يهود عن ثمرات ذاك الانتصار، وأن
تنسحب من الجولان الأرض التي تغل ذهباً
وتفيض ماء وحياة امتثالاً لمقتضيات (شرعية
دولية) أو طمعاً (بسلام) كان خلال ثلث
قرن لا أرق ولا أصفى، خلا بعض المكدرات
التي صاحبت ما كان في حرب 73.. والتي علمت
دولة الكيان الصهيوني كيف تصادر جميع
المكونات التي قد تؤدي بشكل ما إلى
تكرارها، وذلك من خلال إخراج مصر من
المعركة، وتأكيد فكرة التفوق
الاستراتيجي الصهيوني بمنظومة متفوقة
ومتطورة من أسلحة الدمار الشامل. إن
شعار (الأرض مقابل السلام) لا يعني ولن
يعني أي شيء بالنسبة للكيان الصهيوني
الذي راح منذ وقف حرب الاستنزاف في
منتصف 1974 يتمتع بخيرات الأرض، وثمرات
السلام في وقت معاً.
بل
إن المعادلة على ما يذهب إليه اليمين
الصهيوني هذه الأيام، أن على سورية أن
تبحث عن سلام، وأن تصوغ المعادلة على
أساس (السلام مقابل الأمن).. ذلك أن
سورية، حسب المنطق الصهيوني ذاك، غير
قادرة على تهديد دولة اليهود، وغير
قادرة على التصدي لها.. بينما العكس هو
الصحيح، إذ ربما يعود الصهيوني إلى
نكتة دايان السابقة التي تقول بأنه
سينطلق لاحتلال دمشق صبيحة أحد الأيام..
فيتساءل بخبث وماذا أفعل بعد الظهر.. ؟
يصرح الصهاينة بصلافة أن الأمن السوري
هو المهدد عملياً، بينما لا تجرؤ سورية
على أن تؤكد أنها مستعدة لرد أي عدوان
صهيوني بغير الشكوى إلى مجلس الأمن
المسلوب الإرادة. وللإغراق في تجريد
سورية من جميع أوراق قوتها المحتملة
المادية والمعنوية يأتي هذا الضغط
الأمريكي لتخلي سورية عما يمكن أن يكون
في يديها من سلاح (مؤثر)، وأن تقطع ما
بينها وبين فصائل المقاومة العربية،
والقوى السورية الشعبية.
لا
شك أن دولة الكيان الصهيوني، الذي
يتمتع كما أسلفنا بكل خيرات الأرض،
وطمأنينة السلام، لن يقبل أن يتحول هذا
الموقع الاستراتيجي، ضمن أي اتفاقية
تسوية تفرض عليه إلا إذا كفلت له
الاتفاقية الجديدة مغانم أكبر تنعكس
على واقعه السياسي والاقتصادي
والديموغرافي حالاً ومستقبلاً.
ومن
هنا فإن هذا الطرف يمارس عملية
التفاوض، بدم بارد، وأعصاب هادئة..
الوقت الذي يمضي لصالحه يمنحه فرصة
أطول للاستمتاع بثمرات الاحتلال،
وقدرة أكبر على فرض الشروط، من خلال
محاور متعددة منها زيادة قوته
الذاتية، ورص صفوف بنيه، ومنها
المعادلة الدولية التي تتكرس عاماً
بعد عام في خدمة مصالحه وتطلعاته
وأهدافه. ومنها في المقابل تآكل الموقف
العربي، بتأثير العديد من التناقضات
الذاتية، والمداخلات الخارجية.
ومنها
أخيراً إمعان السياسة السورية
الداخلية في تسمية الأشياء بغير
أسمائها، والتمسك بكل الظروف
والسياسات التي أثمرت الاحتلال وكرسته.
إن
على من يبحث عن السلام، أن يدرس بدقة
موقف (العدو) وأن يعرف ماذا يريد هذا
العدو منه وما هو السلام الذي يتصوره،
ثم أن يتقدم بتصوره لسلام ينقص من
إمكانات العدو بالتمتع من خيرات
الأرض، ويحول دون مخططه المستقبلي في
السيطرة والانتشار.. ونظن أننا حين
ندرك المعطيات من زاوية الرؤية هذه
سيتركز بحثنا الجدي ـ إن توفر الإخلاص
ـ عن بديل السلام.
|