"التحريض
على الإرهاب"
ما
وراء النشاط المشترك لوزراء الداخلية
العرب
نبيل
شبيب
من
المعروف عن لقاءات وزراء الداخلية من
جامعة الدول العربية أنّها تعطي صورة
عن النشاط والفعالية والالتزام
والتنفيذ والمتابعة، تتناقض مع الصورة
الإجمالية عن الجامعة، وامتناع دولها
الأعضاء عن جعلها منظمة إقليمية
فاعلة، على مستوى خطوط المواصلات
مثلا، أو تأشيرات السفر مثلا آخر، أو
التجارة البينية.. أو الإعلام.. أو سوى
ذلك من الميادين العديدة التي تنتظر
منذ عشرات الأعوام، نسبة ولو ضئيلة من
مثل تلك "الفعالية" العالية
المرصودة على مستوى وزراء الداخلية،
في ميدان رئيسي واحد من ميادين
اختصاصاتهم العديدة، وهو ما يسمّونه
الميدان الأمني الداخلي.
كيف
يعرّف "التحريض" في غياب تعريف
"الإرهاب"؟..
منذ
أن عقد "الميثاق العربي لمكافحة
الإرهاب" الساري مفعوله نصا وتنفيذا
على نقيض "الميثاق العربي للدفاع
المشترك" مثلا، بات هذا الميدان هو
الهمّ الرئيسي في الاجتماعات الدورية
وغير الدورية لوزراء الداخلية، ولا
نريد أن نقول هنا إنّ ذلك يأتي تجاوبا
مع المطالب الأمريكية أو الغربية
المعروفة، والتي لا تريد أن يتحقّق
تقارب أو تعاون حقيقي بين الدول
العربية على الأصعدة الأخرى، إنّما
يمكن اعتبار ما تشهده البلدان العربية
داخليا، مثل تفجيرات عام 2003م في المغرب
والسعودية، وقديما في مصر، هي الدافع
من وراء النشاط المتصاعد على مستوى
وزراء الداخلية، كما ظهر في مؤتمرهم
الأخير في تونس يوم 5/1/2004م.
الجديد
الصادر عن هذا المؤتمر هو الاتفاق على
تعديل القوانين الوطنية، بحيث لا
تكتفي باعتبار ارتكاب "عمل إرهابي"
أو التخطيط له، أو تمويله أو دعمه
جريمة يعاقب عليها القانون، وإنّما
تقرّر أن يشمل التعديل ما سمّاه البيان
الختامي للاجتماع "التحريض على
الإرهاب" ليكون بدوره جريمة يعاقب
عليها القانون.
ومن
الناحية اللفظية المحضة، لا توجد
مشكلة في أنّ من يحرّض على إرهاب يزهق
روحا بريئة دون حق جريمة، فهذا مرفوض
بمختلف المعايير، ولكنّ البيان
الختامي تميّز بصياغة تعميمية فضفاضة
تسمح بألوان من التفسير والتأويل.
وما
دام تعريف "الإرهاب" تعريفا ملزما
ككلمة متداولة سياسيا وإعلاميا في
الوقت الحاضر، مغيّبا عمدا عن المحافل
الدولية، كما أنّه مغيّب على مستوى
الدول العربية والإسلامية، فإنّ تعبير
"التحريض على الإرهاب" لا يكتسب
بدوره تعريفا موضوعيا، وعندما يوضع
تحت طائلة العقوبة القضائية، لن يجد
"المواطن" نفسه قادرا على معرفة
الحدود التي يسمح بها القانون أو لا
يسمح، بل قد يتحوّل التهديد بالعقوبة
إلى "إرهاب المواطن" أن يصنع بعض
ما يوجبه عليه انتماؤه إلى البلد
المعني، ويوجبه عليه ضميره، وتوجبه
عليه المبادئ الدولية، والقيم الدينية
والقومية والوطنية، والاعتبارات
الإنسانية المحضة.
هل
يستطيع المواطن آنذاك الاعتراض مثلا
على احتمال أن يشمل التقنين أعمالا
يعتبرها الجهاز الحاكم "تهمة تحريض
على الإرهاب" وهي أصل من أصول الحقوق
المدنية وفق المواثيق الدولية
الموقّعة والمصادق عليها من جانب
حكومة بلده، أو هي أصل من أصول
المقاومة المشروعة لاحتلال قائم على
الأرض، أو دفع ظلم استبدادي، أو دعم من
يقاوم الاحتلال ويدفع الظلم؟..
هل
يستطيع المواطن آنذاك الاعتراض مثلا
آخر على احتمال –بل هو أمر مؤكّد وليس
احتمالا- ألاّ يشمل التقنين أعمالا
إرهابية من قبيل "إرهاب الدولة"
كالتعذيب في المعتقلات، أو اعتقال
أهالي الملاحقين، أو عشوائية الاعتقال
دون أحكام قضائية، أو تجاهل السلطات
للأحكام القضائية ضدّها، فضلا عن
الاعتقالات العشوائية والمحاكم التي
تفتقر إلى الضوابط التشريعية القويمة
أو حظر الحقوق والحريات الأساسية
بدعوة حالات الطوارئ المزمنة؟..
هل
يستطيع مواطن يمارس مهنته الإعلامية
أو مهنته المسرحية أو يؤلّف قصة أو
ينظم قصيدة أو يرسم لوحة فنية أو يلقي
خطبة جمعة .. فيعبّر عن موقفه تجاه شيء
من "تلك المحرّمات" في ظل
الاستبداد، دون أن يتعرّض أو على الأقل
أن يخشى من أن يتعرّض لاعتقال عشوائي،
بتهمة التحريض بإنتاجه على "الإرهاب"؟..
شروط
أساسية مغيّبة
إنّ
حاجة بلادنا العربية والإسلامية إلى
"مكافحة الإرهاب" أمر مفروغ منه،
إذا كانت المعطيات لذلك متوفرة بصورة
قويمة، وكانت الممارسات قويمة، وكان
ذلك مشفوعا بإجراءات للتعامل المتوازن
الدقيق مع الأسباب المؤدّية إلى ما
يسمّى إرهابا بحقّ، وما يوصف بالإرهاب
دون حق. ولكنّ هذا الذي نحتاج إليه
يختلف تماما عن واقع ما يتحرّك به
وزراء الداخلية العرب بهمّة ونشاط
كبيرين، ويحيطون صياغته بغموض أكبر.
1-
نحتاج إلى تعريف دقيق واضح مدروس
وموضوعي للإرهاب المقصود بالمكافحة
2-
نحتاج إلى أن يشمل هذا التعريف سائر
أشكال الإرهاب الصادر عن الدولة، أو عن
احتلال أجنبي، أو عن قوة دولية مهيمنة،
أو عن أفراد هم جزء من هياكل السلطة، أو
عن مجموعات قائمة بذاتها
3-
نحتاج إلى تمييز دقيق بين عمل إرهابي
مسلّح يقتل نفسا بريئة بغير حق، وعمل
مسلّح تفرضه مقاومة مشروعة، وعمل غير
مسلّح يدخل في نطاق المعارضة
المشروعة، وعمل يخالف قانونا من
القوانين العشوائية ويطالب بإقرار
قوانين غير عشوائية تحفظ الحقوق
والحريات الأساسية للإنسان
4-
نحتاج إلى أن يكون كلّ تحرّك لمكافحة
الإرهاب بالشروط السابقة، مقترنا
بتغيير جذري في تعامل السلطات مع
المواطن، على صعيد الحقوق والحريات،
وعلى صعيد استقلالية القضاء، وفي ظلّ
أحكام الطوارئ الجائرة، والقوانين
الشاذة، والمظالم بمختلف أنواعها.
5-
نحتاج إلى جهود حثيثة تمنع التمييز
القائم داخل البلد الواحد بين فئات
موالية للسلطة مقرّبة منها تنتفع من
سلطانها، وأخرى تمثل سواد الشعوب،
محرومة من أبسط حقوقها المعيشية،
المادية والمعنوية.
أمّا
وأنّ جميع ذلك أو معظمه غائب أو مغيّب
من جميع الدول العربية بدرجات
متفاوتة، فإنّ كلّ تشريع جديد لمكافحة
"الإرهاب" ومكافحة "التحريض"
عليه، ينقلب على أرض الواقع إلى إضافة
مزيد من الذرائع لترسيخ الوان
الاستبداد، ولملاحقة المعارضين
للاستبداد بدعوى مكاحفة "التحريض"،
وللبطش بمن يعلن رأيا "مؤثّرا" لا
يتوافق مع سياسة الدولة، في قضايا
ساخنة كقضية فلسطين وحقّ المقاومة
فيها، أو قضية العراق وحقّ المقاومة
فيه، وقضية الاستبداد وحقّ العمل
المتواصل الدائب على رفضه وإزالته
لإيجاد أوضاع قائمة على العدالة
والشورى والحقوق وسيادة القضاء
واستقلاله، وفصل السلطات، والمساواة
والتكافؤ، وحفظ القيم والثوابت
المشتركة للأمّة.
حتى
ذلك الحين.. ستبقى قرارات وزراء
الداخلية العرب الناشطين أكثر من
سواهم، متناقضة أشدّ التناقض مع
المسؤولية التي يحملونها مع حكوماتهم
أمام الشعوب، والتي سيحاسبون عليها مع
تبعاتها وننتائجها بين يدي الديّان
يوم القيامة.
مع
أطيب السلام
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|