مشاركات
الواقع
البائس للمسلمين**
نبيل
هلال هلال
hilalhilal2@yahoo.com
إن الراصد لواقع أمة المسلمين
اليوم لا يعرف على وجه اليقين ما إذا
كانت هذه الأمة جادة في البحث لها عن
دور فاعل يخرج بها من صفوف دول العالم
الثالث المتخلف المفعول به دائماً، أم
أنها اكتفت بهذا الانكماش والانبطاح
طوال هذه القرون. فليس يعد حكيماً من لم
يكن لنفسه خصيماً وحسيباً، لذا آن أوان
النظر في أحوالنا كي نعرف أين نحن من
السبيل إلى استرداد الاعتبار بعد أن
صرنا إلى ما نكره. ترى هل لم يبق لنا من
أمل إلا في زمن آخر وعلى يد جيل آخر؟
ولا يحق لنا أن نندهش ونتساءل
عن سبب هوان المسلمين ومذلتهم،
فذلك أمر حتمي يتيسر فهمه في ضوء
السنن والنواميس. فأعداؤنا عملوا
واجتهدوا ونحن تكاسلنا وتقاعسنا. هم
صنعوا أسلحتهم التي يقهروننا بها، ولم
نقو على صنع شئ – أي شئ – لا الطائرة أو
السيارة أو المدفع. هم يحسنون استثمار
أموالهم، ونحن نودع أموالنا في
بنوكهم، فيستثمرونها في تنمية
اقتصادهم وتعظيم قوتهم، ويصادرونها إن
عصينا أوامرهم. حكمهم ديموقراطي ولا
يقوى حاكمهم على نهب أموال العباد ولا
يعلو على القانون، وملوك المسلمين
ينهبون أموال بيت المال لأنهم
السلاطين والمماليك، ويودعونها في
بنوك سويسرا وأمريكا. هم يرصدون للبحث
العلمي أموالاً طائلة، فغزوا الفضاء
وصنعوا الصواريخ والأسلحة الفتاكة
والأقمار الاصطناعية، ونحن بأموالنا
الطائلة لا نمارس أي أنشطة بحثية جادة.
وكأن البحث العلمي عبث والعلم نفسه
ترف، فمازلنا نبحث في السماء عن هلال
شهر رمضان بالأعين المجردة مثلما كان
يفعل البدوي في البادية منذ 1400 سنة،
ولا نثق في الحساب والعلم لتحديد أوائل
الشهور القمرية، في حين أنهم صعدوا إلى
القمر، وحددوا لسفينة الفضاء موضع
هبوطها بدقة، فهبطت به ولم تتجاوزه.
ومن بين علمائنا ووعاظنا المعاصرين من
يتعجب ممن يقول بكروية الأرض، وينفى
ذلك، بل يتندر عليه.
وفى العالم الأول كما يسمونه،
يعملون أكثر من 8 ساعات يومياً، ومتوسط
زمن عمل الموظف أقل من 70 دقيقة يومياً.
هم يرسمون إستراتيجياتهم ويقومون على
تنفيذها بأنفسهم، لا أن يتولى غيرهم
ذلك نيابة عنهم، ونحن نستعين بهم فى
وضع مناهجنا التعليمية والتربوية،
وتدريب لاعبينا كيف يلعبون الكرة،
ونستعين بهم حتى فى التخلص من قمامتنا،
ثم نقول فى دهشة – وغباوة – ما سبب
انقلاب الموازين؟. هم يزرعون ما يأكلون
حتى يزيد إنتاجهم فيرمونه فى البحر
حفاظاً على سعره، ونحن نشترى منهم
القمح إذ لم نقو بعد على زراعة كل ما
نأكل، ناهيك من صنع ما نحتاجه من كل شئ
وأى شئ بدءاً من الدراجة الهوائية
وأدوات التجميل ولعب الأطفال،
وانتهاءً بالطائرة والدبابة والسيارة
والكمبيوتر. ثم نندهش ونتساءل: لماذا
نحن المهزومون وهم المنتصرون ؟
المسلمون مليار ونصف المليار
نسمة تقريباً ويتلقون الصفعات على
الأقفاء (جمع قفا) من 6 مليون إسرائيلي،
لقد تفقد الأسد المسلم العجوز قوته،
فلم يجد بها فضلا، إذ أصبح بلا مخلب ولا
ناب، وأغرى به حتى الحملان، وهان على
الماعز والقردة، وأصبحنا غرضا يُرمى،
ويُغار علينا ولا نُغير إذ تعدو الذئاب
على من لا كلاب له.
ما سر هذا الهوان ؟ اسمع : هم
ديموقراطيون يحترمون القانون الذى
يعلو ولا يعلى عليه فى بلدهم وإن
أنكرنا ذلك من باب العزة بالإثم. هم
ينعمون بالحرية ونحن غير أحرار، إذ لا
تكتمل الحرية بدون إنتاج الزاد
والزناد. الصهاينة لا يقاتلون بعضهم
البعض ونحن نفعل، إذ نضرب رقاب بعضنا
البعض منذ 1400 سنة وحتى الآن. وإن
حاربونا استعانوا ببعضنا على محاربة
البعض الآخر، ثم ندفع لهم تكاليف هذه
الحروب التى سُفكت فيها دماؤنا !! وما
حرب الخليج عنا ببعيدة. هم – أوروبا –
توحدوا اقتصادياً وعسكرياً مع اختلاف
الأعراق واللغات والثقافات، ونحن لا
نتفق إلا على دوام الخلاف مع توحد
لغتنا وثقافتنا وتاريخنا وديننا .
إن أمة المسلمين الآن أشتات
متباينة، فمنها الدول البترولية
الشديدة الثراء، والدول الفقيرة التى
يموت أطفالها جوعاً، ودول كثيفة
السكان، ودول لديها أراض شاسعة لا يقوى
أهلها على زراعتها. ولو كان هناك حد
أدنى من التعاون والتنسيق بين هذه
الدول " الإسلامية " ! لأمكن –
مثلا – زراعة الأراضي في بلد ما بأموال
بلد آخر بأيدى مزارعى بلد ثالث، ولكننا
مختلفون، ومازلنا نردد كالببغاوات،
وحبات المسابح بين أصابعنا، دون عقل
يفهم أو قلب يخشع، نردد: "وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على
الإثم والعدوان " .
الصهاينة مشغولون بصنع
الطائرات والصواريخ والقنابل الذرية،
وسلاطيننا مشغولون بسباق
الجِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِمال،
الصهاينة يصنعون الأقمار الاصطناعية
وأثرياء البدو ومليونيرات البترول
مشغولون – أى والله – بالرقص بالسيوف
على نقر الدفوف وهم يرفلون فى جلابيبهم
البيضاء فى احتفالات تبثها الفضائيات
بثاً مباشراً وكأنها أحداث جلل!. نشجب
انحياز أمريكا ونندد بمساعدتها
إسرائيل، ولكن نشترى السيارات
والمأكولات والمشروبات الأمريكية. نحن
العرب ظاهرة صوتية آن لها أن تفيق من
غفلتها أو تخرج تماماً من التاريخ
وتصبح أثراً بعد عين. الأجيال القادمة
ستلعن آباءها الأولين الذين غفلوا
وفرطوا واستهانوا، فهانوا على أنفسهم
وأعدائهم .
لو انتصرنا وطاب عيشنا وهذا
حالنا، لكان معنى ذلك هزيمة قيمة العلم
والعمل والحق. فلا معنى لأن ينتصر
الجاهل على العالم، أو الكسول على
النشيط. وليس معقولاً أن يتفوق الغبى
الذى لا يعرف أنه غبى، على الذكى الذى
يعرف أنه ذكى، لقد فشلنا فى فهم منطق
العصر ولم نستخدم أدواته. إنهم يألمون
لسقوط هرة فى بئر، وتسارع الشرطة
لإخراجها منه، ونحن لا نعرف من يقتل من
فى الجزائر، فالألوف تُذبح فى الشوارع
والمنازل والفاعل مجهول. صحيح أنهم
يألمون لموت قططهم، ولكنهم يقصفون
عشرات المنازل ويذبحون النساء
والأطفال فى فلسطين، ذلك لأنهم يرون
أننا أقل شأناً من حيواناتهم. إننا أمة
لا تملك سوى بعض القدرة على الطفو فوق
سطح الأحداث، وما ذلك لقوة ذاتية
لديها، بل بفعل انتفاخ جسدها بغازات
التحلل والبوار.
ولابد من امتلاك شجاعة النظر
إلى الذات وانتقادها، وتشخيص أدوائها،
وجلدها إن اقتضى الأمر ذلك، تلك الذات
التى خسرناها منذ قرون طويلة ولم نظفر
بعد بامتلاكها مرة أخرى، إذ استغرقنا
فى أحلام مزيفة منعتنا من الاستيقاظ
للانشغال بواقعنا
البائس. لقد
أصبحنا نحن المسلمين رقيق
العصر،
وما الرقيق والاسترقاق ؟ إنه سيطرة شخص
على مقدرات شخص آخر، سيد ومولاه، أو
طبقة على طبقة، نبلاء ومواطنون أو
إقطاعيون ومزارعون، أو سيطرة دولة على
دولة، وذاك هو رق العصر الذى نضطلع فيه
بدور العبيد وسادتنا هم الغرب، الغرب
القوى الذى تسلح بالعلم وارتاد المحيط
وأحدث الانقلاب الصناعى وصنع الأسلحة
النارية والدبابات والطائرات، الغرب
الذى ينهب أموالنا ويسرق بترولنا. ومنذ
أن تخلينا عن ديننا وهويتنا ونحن نمارس
دور العبيد حتى وإن تمتعت الدول
الإسلامية باستقلال صورى وكان لها علم
رسمى ونشيد وطنى تصدح به الفرق
الموسيقية، وإن كان لها جيوش وعسكر،
فهم لتثبيت العروش وليس لمدافعة السيد
الجديد فى علاقة الرق العصرية. ولقد
ضللنا إذ وقعنا فى وهم أن أمجادنا
التاريخية قابلة للتحقق مرة أخرى دون
حاجة إلى رجال يجاهدون من أجل صنع هذه
الأمجاد .
ألا ترون عدل أن نكون نحن
العبيد وهم السادة ؟ هم المنتصرون ونحن
المنهزمون ؟ هم الأعزة ونحن الأذلة ؟
إذ مددنا للذل أعناقنا، وهيأنا ظهورنا
للركوب فامتطانا كل راكب. وسيبقى الحال
على ماهو عليه حتى إشعار آخر .
] إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم [ صدق الله العظيم...
ترى ما علة هذا الهوان، إن
العلة تتمثل فى عاملين أساسيين: أولهما
هو الاستبداد وقد تناولناه فى كتاب
سابق*، وثانيهما هو اعتقال العقل المسلم
وتجميده واسترخاصه والحط من شأنه، ،
وقد تم هذا الاعتقال على ثلاثة محاور،
هى : التعليم، والتدين، والسلطة
.
**من
كتاب "اعتقال العقل المسلم
ودوره في انحطاط المسلمين"-نبيل
هلال هلال
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|