مشاركات
أعز
من الأسد أو أذل من الكلب
نبيل
هلال
ليس
صحيحاً أن الشعوب تحتشد بنفسها دون
قائد يقودها ويوجه مسيرتها، فهذا لم
يحدث قط. إذ لابد من وجود من
يستنهض الهمم ويحشد الطاقات . و ما
يفسر حدوث الثورات والانتصارات، هو
ظهور الزعيم القائد، وما يفسر هوان
الأمم وانكسارها هو غياب ذلك الزعيم
القادر الذي يأخذ بيدها بعد أن يكسر يد
وعنق المستبد، سواء أكان دخيلاً
مستعمراً يجثم على أنفاس الأمة، أو كان
أحد أبنائها المارقين الذي استبد بها
استناداً إلى شرعية زائفة. وما من شك في
أن الشعوب هي التي تبنى وتبادر
بالأعمال وحمل المشقة والتبعات، ولكن
لابد من تفعيل قوى هذه الشعوب بقائد
حاذق، بدونه لا فعالية لهذه الشعوب
.
والعلاقة
بين دوري الزعيم والأمة لا محل فيها
لتفاضل دور على الآخر، وإنما العلاقة
بين الدورين علاقة عضوية. فها هي دولة
الصهاينة لم
يكن لها أصلاً شعب محدد الهوية ذو
ثقافة موحدة وعرق واحد. بل تجمع اليهود
من بلدان شتى، ويتحدثون لغات مختلفة،
وثقافاتهم متباينة، ولا يجمع
هذا الشتات سوى الانتماء إلى دين . ثم
توفر لهذه الشعوب الشتات زعماء وقادة
فعَّلوا أدوار هذه الأمة المخلَّطة،
وأصبحوا الآن دولة قوية تسحق أعداءها
بالأحذية.
وإذ
ثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن
تاريخ الأمم من صنع الزعماء والقادة،
تبرز الضرورة القصوى لحسن اختيار من
يتولى قيادة الأمة من الحكام، فحسن
اختيار الحاكم هو الطريق الوحيد لصلاح
أحوال البلاد والعباد والذي يتحدد به
مصير الأمة ,إما أن تصير أعز من الأسد ,وإما
أذل من الكلب. الأمر الذي يصبح معه هذا
الاختيار هدفاً يتعين على الأمة كافة
أن تحسن تحديده وإن بذلت في سبيله الدم
والأرواح، ولا يجوز بأي حال أن تنصرف
همة الأمة بعيداً عن بلوغ هذا الهدف
بدعوى طاعة أولى الأمر، أو قدسية الملك
أو أبوة السلطان، أو عزة شيخ القبيلة،
أو التماس السلامة وطلب الأمن والأمان
وحقن الدماء، أو تجنب فساد أحوال
العباد بمناهضة ولى الأمر وإن فسق وظلم.
ويجب أن يعلم الناس أن من الشرف وعلو
الهمة التصدي لمن يسلب الأمة إرادتها
أو ينتهك قوانينها، أو يزعم العلو
عليها، أو يتلاعب بحقوق الناس تسترا
وراء المصالح العليا، أو دعاوى صوت
المعركة الذي لا ينبغي أن يعلو عليه
شئ، أو يصادم إرادة الجماهير بدعوى
اعتبارات الموازين الدولية والسياسية
العليا، وكلها أمور تتطلب وعي الشعب
واستنارته لكشف بطلانها، وصدق عزيمة
على النضال لنيل حقوقه. يقول أفلاطون
للناس: "إن معظم الأدواء الاجتماعية
والسياسية التي منها تقاسون إنما هي
أمور يسهل عليكم التصرف فيها، لو أنكم
أوتيتم الإرادة والشجاعة اللازمتين
لتغييرها. فأنتم تستطيعون أن تعيشوا
بطريقة أخرى أكثر حكمة إن آثرتم أن
تقتلوا الأمر تفكيراً وبحثاً،
وتكتشفوا بالدراسة كنهه، فأنتم لا
تشعرون بما تملكون من قوة".
ألم
تر إلى الأمة تكون خاملة بلا ذِكر،
والشعب كسول بلا همة، والوهن والهوان
يعمان الآفاق، وفجأة يبرز قائد أمين
مخلص مقتدر، فيأخذ بيد هذه الأمة، على
ما هي عليه من مذلة وضعف، ويرقى بها
درجات الرفعة والقوة، مع أن الأمة لم
تتغير والناس لم تتبدل. ولكن جاء
القائد والزعيم الذي يحشد القوى،
ويشحذ الهمم فتنهض به الأمة، وينهض هو
بها. وحسبك النظر إلى وقائع التاريخ،
أي تاريخ، في أي مكان وزمان، ترى مصداق
ذلك من نهضات الأمم أو عثراتها
.
واذكر
محمد على باشا الذي قاد مصر من ظلام
عصور التخلف، وبنى لها قوة عسكرية
وعلمية وتعليمية، إذ شرع في تحديث
البلاد على هدى تقدُّم الغرب الذي
اكتشفه المصريون نتيجة الحملة
الفرنسية التي كانت ذات هدف استعماري
محض، ولكن كان من نتائجها - غير
المقصودة - تنبيه المصريين إلى حضارة
الغرب
.
. لقد كان الشعب المصري هُوهُو قبل
محمد على باشا وبعده، والظروف كانت
متماثلة. ولكن الطفرة حدثت إبان حكم
محمد على، وانطفأت جذوتها في عهود من
حكموا البلاد بعده. فالأمر رهن بالزعيم
والقائد، والتاريخ يحدثنا بأن الملوك
يحكمون وينهبون، والشعوب تدفع الثمن.
وإذا حقق الملوك بعض إنجازات فالمجد -
كل المجد - لهم، فهم الملوك العباقرة
المغاوير الملهمون. وإن هُزموا،
فالشعب هو الذي تقاعس عن دفع الضرائب
لتمويل الحرب، والجنود الجبناء هم
الذين فروا من ميدان المعركة. وكما قال
أحد خلفائنا الأمويين للناس زاجراً:
أردتمونا كالخلفاء الراشدين ولم
تكونوا لنا كالأنصار. فالناس هم
الملومون في كل حال وأي ظرف . وإذا حاقت
بهم الهزيمة - أي بالزعماء غير
المقتدرين، كان ذلك بسبب الأسلحة
الفاسدة، ولم يقل لنا أحد كيف كان
فسادها وعلى من تقع مسؤولية ذلك إن كان
صحيحاً. بل لم يكشف لنا أحد في وقتها،
وقت حرب فلسطين 48، أن العرب جميعاً
مجتمعين حشدوا 10% مما حشده اليهود من
جند وعتاد فهزمونا شر هزيمة. المهم لا
تكون الهزيمة الساحقة بسبب قصور الملك
أو انشغاله بغير أمور الأمة. فأما
المسؤولية فتقع على الناس، أو الظروف،
أو أي عوامل خارجية أخرى ليس للسلطان
سلطان عليها، أو أنها في خاتمة المطاف،
إذا أعجزه التماس المعاذير، إنه القدر
ومن له أن يغير الأقدار!
وما
ظنكم بالهوان الذي عاناه العرب
والمسلمون إبان تاريخهم الطويل، أَلاَ
ينهض ذلك دليلا على عدم صلاحية خلفاء
وسلاطين المسلمين الذين حكمونا، إذ
نقصت صلاحياتهم لممارسة العمل السياسي
والقيادي، إذ كان من الممكن - لو كانوا
أهلاً للقيادة - أن يتفادوا الكثير مما
حاق بنا من هزائم بسبب الضعف الذي أصاب
الأمة على أيديهم بسبب توارث المُلك
ونبذ الشورى، وتفشى الاستبداد والفساد.
أين
الخلل إذن، إنه الخلفاء والسلاطين
والمماليك الذين تولوا قيادة الأمة
فلم يحسنوا القيادة، وجلسوا على
العروش فانصرفوا إلى نهب بيت مال
الأمة، وكانوا أعجز من أن ينهضوا
بواجبات الحكم، فهم ليسوا أفضل من كان
يتعين عليهم الجلوس على العرش
.
"
إن
حكم الطغاة لا يولد إلا في البيئة
الفاسدة، ولا يستمر إلا في المجتمع
الجاهل الذي يفقد وعيه وإحساسه
بالحرية، وفى غياب الديموقراطية ينمو
حكم السادة ليتحكموا في العبيد،
ويُستباح كل شئ " .
وإذ
لا يتيسر لنا الآن حجة دامغة تمنعنا من
الاستيثاق من أن تاريخ الأمم، في
المقام الأول، يصنعه الملوك والحكام،
فثمة سؤال يصعب التنصل من الإجابة عنه،
وهو : أين كان زعماء البلاد الإسلامية
عندما زُرعت إسرائيل في قلب العالم
الإسلامي واستفحل شأنها، وأين كانوا
عندما أنشأت جيشها القوى ومفاعلاتها
النووية، أين كانوا من مشكلات وقضايا
التنمية والأمية والفقر والمرض
والتعليم والثقافة والتصنيع ... قد يقول
قائل: إننا كنا مستعمرين، نعم لكننا
تحررنا منذ نصف القرن تقريباً، وهى مدة
فاقت بكثير ما لزم محمد على للنهوض
بمصر من ظلام التخلف والجهل إلى أن
اصبح قوة يخشاها الغرب، وهى مدة أطول
بكثير مما احتاجته ألمانيا بعد
هزيمتها في الحرب العالمية الأولى كي
تصبح قوة هائلة في الحرب العالمية
الثانية، وهى أطول من المدة التي
استغرقها جهود الألمان لبناء ألمانيا
بعد خرابها خراباً شاملاً بعد هزيمتها
في الحرب العالمية الثانية
.
نعم،
لابد أن يكون هناك مسؤول عن تردى أحوال
المسلمين وضعفهم، نعم تقع المسؤولية
على عواتق من حكمونا طوال الأزمنة
الماضية ولم يتخذوا التدابير الضرورية
لاكتساب وسائل القوة، واصطناع أسباب
العزة، أو أنهم - على الأقل - لم يتركوا
مناصبهم وعروشهم لمن هم أقدر منهم على
فعل ذلك. أي أنهم لم يَصْلُحوا فلم
يُصْلِحوا، ولم يتركوا من يقدر على
الإصلاح لتبوأ سدة الحكم. فالصهاينة
أنشأوا دولتهم، وفى خمسين سنة أصبحوا
أقوى من كل العرب والمسلمين. لماذا
حدثت هذه المفارقة وكيف؟ بضعة ملايين
من اليهود في أقل من خمسين سنة تفوقوا
على مليار ونصف المليار من المسلمين.
قد يقول قائل إن الصهاينة يعتمدون على
أمريكا وقبلها اعتمدوا على إنجلترا،
وأن اللوبي الصهيوني من وراء اليهود
يعمل في قلب المؤسسات الأمريكية، وذلك
في نظري عذر أقبح من ذنب، فذلك ما فعله
اليهود، ماذا في المقابل كان يجب علينا
أن نفعله، لقد شرعوا في السعي لصنع
السلاح النووي في وقت مبكر في
الخمسينيات من القرن الفائت، في زمن
كنا لا نحسن فيه سوى ترديد الأغاني
الحماسية والهتاف ملء الحناجر لحكامنا
الذين خدعونا وأوهمونا، أو توهموا
أنهم سيلقون إسرائيل، ومن هم وراء
إسرائيل في البحر،
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|