مشاركات
وصل
إلى برق الشرق :
واقع
الانتخابات في سوريا..... إلى متى
د عاطف صابوني*
من العجيب والغريب حقا أن تجري
الانتخابات في سوريا, ونحن في بدايات
القرن الواحد والعشرين على هذه
الشاكلة المسرحية المثيرة, ومن العجيب
والغريب أيضا أن تدار هذه الانتخابات
على ذلك النمط الفكاهي الذي تمت عليه
في انتخابات الإدارة المحلية الأخيرة,
دون أي اختلاف إن بالشكل أو في المضمون
عن الانتخابات التي اعتادتها البلاد
منذ عقود.
لقد
تقدم حزب الاتحاد الاشتراكي العربي
الديموقراطي المعارض عبر عدد محدود من
أعضائه ومناصريه للمشاركة في هذه
الانتخابات, وذلك وفق اعتبارات تتعلق
بالنهج العلني الذي اختطه, ووفق رؤيته
الاستراتيجية للتغير الديموقراطي,
وعبر قائمة مستقلة لم يضع فيها أية
أسماء لحزب البعث الحاكم وجبهته
التابعة له, وأراد من هذه الخطوة أن
يثبت عدة أمور أساسية هي:
1ـ أن الانتخاب هو حق للمجتمع
وليس منحة من أحد ( شخص أو حزب أو جبهة),
وأن هذا الحق كونه ملك للمجتمع فانه
يمكن للجميع ممارسته بغض النظر عن
مواقفهم المسبقة أو الحالية تجاه
بعضهم البعض أفكارا أو شخصيات أو أحزاب
وتجمعات.
2ـ أن هذا الحق ينبغي أن يكون
متساويا بين الجميع, مرشحين وناخبين
ولتثبيت مسألة التساوي خاض مرشحوا
الاتحاد في مدينة حلب معركة ضارية أمام
البعثيين وغيرهم عبر القائمة الصفراء
التي لم تحتوي أية أسماء جبهوية, بل
تجاوزوا الأمر عندما وضع مرشحين اثنين
رغم أن قائمة الجبهة تركت المجال لمرشح
واحد فقط يتنافس عليه العشرات من
المستقلين.
3ـ
أن عملية الانتخاب بحد ذاتها ينبغي أن
تكون نزيهة بمعنى أن الانتخاب ينبغي أن
يتم وفق البطاقة الانتخابية وبيد
صاحبها حصرا وأن تتم عملية الانتخاب
بديموقراطية وشفافية تامتين, منذ
بداية فتح الصناديق وحتى إغلاقها
وإعادة فتحها وفرز الأصوات فيها.
4ـ
أن يتم الانتخاب وفق برنامج شكّل
إصداره سابقة لم تعرفها الانتخابات في
سوريا منذ زمن, وقد تمت طباعة هذا
البرنامج بعد معركة قانونية خاضها
المرشحون بعد رفض المطابع طبعه لعدم
موافقة الأمن السياسي, وكاد الأمر أن
ينتهي بالانسحاب من العملية كلها لولا
تراجع الجهات المختصة عن رفضها لطبع
البيان وتوزيعه, إن توزيع البيان
بالصورة التي تم عليها دلل على أن
الانتخابات ينبغي أن تتم وفق البرامج
قبل الشخوص والصور وربما هذا ما دفع
العديد من الآخرين إلى طمس هذا
البرنامج بشدة بصورهم.
5ـ
أن عملية الانتخاب مرجعيتها القانون
وليست أية تعليمات أخرى حزبية كانت أو
أمنية أو من أي نوع آخر, وهو الشكل الذي
ينبغي أن تتم عليه.
وبالفعل فقد خاض المرشحون
الوطنيون الديموقراطيون كم جاء في
برنامجهم هذه الانتخابات وفق هذه
المحددات والمعطيات التي رسموها مسبقا
للشكل الذي يجب أن تتم عليه, وذلك رغم
اعتراضاتهم الشديدة على القانون
انتخابي بحد ذاته وعلى الجو السياسي
العام الذي يسود البلاد, بالاستمرار
بالعمل بالقوانين الاستثنائية ومحاكم
أمن الدولة وعدم وجود قوانين عصرية
للأحزاب والانتخاب.
لقد وقف المرشحون الوطنيون
الديموقراطيون ووكلاءهم المتطوعون
ليقدموا نموذجا للانتخابات لم تتعود
عليه البلاد منذ عقود, رفضوا التزوير
وحاربوه حيث وجدوه, طالبوا بالمساواة
بين جميع المرشحين بغض النظر عن
انتماءاتهم ومشاربهم, خاضوا المعركة
رغم شراستها وحصدوا بالنتيجة تجربة
غنية تحتاج الكثير لتقييمها والإفادة
من نتائجها, وما حصل على أرض الواقع على
العموم كان متوقعا ويمكن إجماله بما
يلي:
أـ من الناحية القانونية تم خرق
القانون الانتخابي, فلم يتم تنظيم
جداول انتخابية لكل صندوق كما ورد في
قانون الانتخابات المحلية, وبرغم
تقسيم المدينة إلى أربعة دوائر
انتخابية فان الناخب كان يستطيع أن يصب
صوته في أي صندوق يختاره, وهذا ما شكل
خرقا للمادة /7/ من القانون المذكور
والتي نصت على ( أن تنظم الجداول
الانتخابية للوحدات الإدارية بحيث
يحتوي الجدول العائد لكل من هذه
الوحدات على أسماء الناخبين المسجلين
فيها).
ب ـ خرق آخر للقانون حصل في
تعيين الجهة المشرفة على مراكز
الاقتراع, حيث أنيطت المهمة بالشعب
الحزبية, وكما هو معلوم فان حزب البعث
وجبهته التابعة له لهم مرشحين في
الانتخابات مما جعل العملية ترشيحا
وإشرافا بيد البعث وهذا خرق للمادة /25/
من القانون التي نصت على أن جهة
الإشراف هي لجنة حكومية يرأسها أحد
موظفي الدولة, وفي حال غياب أحد أعضاء
اللجنة يعين رئيس اللجنة بدلا عنه أحد
الناخبين الحاضرين إلى مركز الاقتراع
بعد حلف اليمين.
ج ـ شوهد في بعض المراكز بعض
عناصر الأمن العسكري وكانوا يتدخلون
بشكل مباشر مع الوكلاء والمرشحين
والناخبين, وهذا أيضا يمثل خرقا للمادة
/28/ من القانون والتي نصت على( أن يتولى
رئيس اللجنة حفظ النظام وله صفة
الضابطة القضائية ويمكنه الاستعانة
بقوى الأمن عند الضرورة).
د ـ تحول وكلاء المرشحين إلى
مجرد مندوبي دعاية لمرشحيهم, حيث منعوا
من مراقبة نزاهة الانتخابات وكثير من
الناخبين جرى تمزيق الأوراق التي
دخلوا بها إلى صناديق الاقتراع وتم
إعطاءهم بدلا عنها قوائم الجبهة
الوطنية التقدمية بعد أن تم إقناعهم
بأنها الوحيدة التي يتم اعتمادها
لأنها نظامية, وهذا أيضا شكل خرقا
للمادة /30/ من القانون والتي أعطت الحق
لممثلي المرشح مراقبة العملية
الانتخابية.
هـ ـ خرقت المادة/35/ من القانون,
بعدم التأكد من أحقية الناخب للانتخاب
ضمن الدائرة التبعة له, حيث لم تتوفر
أية جداول انتخابية ودون أي اعتبار
للموطن الانتخابي.
و ـ خرق أيضا القانون الانتخابي
من جهة لجان الاقتراع التي حلفت اليمين
على توخي الحياد والنزاهة والتي تحولت
إلى لجان للدعاية الانتخابية لصالح
قائمة البعث والجبهة, حيث لصقت صور
المرشحين والقوائم على الصناديق وداخل
غرف الاقتراع كما وضعت القائمة لوحدها
فوق الصناديق وتم إخفاء الأوراق
البيضاء في أدراج المكاتب, وعندما كان
المرشحون الديموقراطيون يطالبون
بإبرازها كان الرد بأن إبرازها يتم فقط
عندما يطلبها الناخب, في حين أن
الممارسة كانت مختلفة تماما فالناخب
كان يعطى فقط قوائم الجبهة ويطلب منه
وضعها في الصندوق أو إضافة ما تكرمت
الجبهة وتركته من فتات المقاعد
للمستقلين الذين بدورهم قبلوا بهذا
التذييل فقاموا جميعا بطبع قوائم
الجبهة في صدارة قوائمهم وأضافوا
أسماءهم في ذيلها.
زـ طرد الوكلاء خارج مراكز
الاقتراع ومنعوا من مراقبة العملية
الانتخابية, وأحيانا طلب منم إحضار
الطعام والشراب لقاء مساعدة مرشحيهم,
وفي هذا الإطار وصف المرشحون
الديموقراطيون بالبخل الشديد لأنهم لم
يقوموا ( باللازم ) اتجاه الموظفين
ورجال الأمن.
ح ـ رفض جميع رؤساء الصناديق
استبدال قوائم الجبهة بالقوائم
البيضاء وعندما هددوا باللجوء إلى
القضاء أجمعوا على القول ( أعلى ما
بخيلك اركبه).
ط ـ خرق البعث وجبهته التابعة
له تعليمات وزير الإدارة المحلية بشأن
الدعاية الانتخابية, فلصقوا صورهم
وقوائمهم على الجدران وداخل الدوائر
الرسمية وعلى أبواب المدارس ولا ندري
إذا كان سيتم محاسبتهم أم أنهم أيضا في
هذه المسألة سيكونون فوق القانون.
ي ـ خرق القانون أيضا عندما
أنيطت الموافقات على الدعاية
الانتخابية بفرع الأمن السياسي في حين
أن التعليمات الصادرة عن الوزير كانت
تنص على إعلام المحافظ دون اشتراط أية
موافقات أمنية.
ك ـ سمح في معظم المراكز
الانتخابية الانتخاب نيابة عن الغير
تحت شعار نسبه بعض أمناء الصناديق
للمحافظ وهو ( يسّر ولا تعسّر) .
لاشك أن النتائج المستخلصة من هذه
الانتخابات كثيرة جدا والدلالات أكبر
وأكثر, وبرغم ادعاء الديموقراطية
والنزاهة فيها فان ما حصل كان على
النقيض تماما من كل هذه الادعاءات, إن
الإصرار على وجود قوائم للجبهة يترك
فيها فتات للمستقلين هي الوحيدة التي
يجب أن تلقى في الصناديق تجعل من
المشروع توجيه سؤال إلى السلطة
الحاكمة في سوريا وهو إذا كانت قائمة
الجبهة بهذه القداسة ويجب إنجاحها
بكافة الوسائل بما فيها خرق القانون
الذي أقرته تلك الجبهة نفسها فلماذا لا
تريحونا ويتم تعيين هذه القائمة
مباشرة ويرك المجال لبعض المستقلين
خوض انتخابات حول فتات المقاعد ؟... .
إن
الانتخابات المحلية التي جرت لم تختلف
في الشكل أو المضمون عن أية انتخابات
سابقة وكان على البعثيين وشركاؤهم أن
يسألوا أنفسهم سؤالا محددا وهو عن سر
غياب الجماهير بمن فيها المنظمين داخل
أحزابهم عن الإدلاء بأصواتهم في هذه
الانتخابات حيث لم تتجاوز نسبة
المقترعين في أحسن حالاتها بين 2-5%.
إن
المواطن في سوريا رغم بساطته فهو يدرك
تماما أن أي تغيير من أي نوع لم يحدث,
صحيح أنه قد تم التخفيف قليلا من
القبضة الأمنية لكن الممارسات ما زالت
هي هي والبنية القانونية والدستورية
الداعمة للتفرد والإقصاء مازالت سائدة.
إن
هذه الممارسات تجعل من عملية التحول
الديموقراطي أكثر صعوبة, وتؤخر أي جهد
حقيقي للإصلاح والتغيير, إن العقلية
التي تمت بها إدارة الانتخابات أعادت
البلاد إلى الوراء وشكلت إحباطا
إضافيا أمام أي أمل بالإصلاح.
*كاتب
وباحث – أحد المرشحين الوطنيين
الديموقراطيين- حلب.
01/07/2003
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
|