صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 14 - 04 - 2004م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

برق الشرق

مشاركات

قراءة هادئة لأحداث صاخبة

رجاء الناصر

     لا يمكن اعتبار ما شهدته بعض المناطق السورية خلال الأسبوع الثالث من شهر آذار الحالي مجرد حدث عابر يمكن تجاهله والتغاضي عنه وإدخاله في" المسكوت عنه" ولا يمكن النظر إليه على أنه مجرد "شغب ملاعب " امتد بفعل أصابع خارجية . فما حدث خلال هذا الأسبوع الدامي سيلقي بأثره على سورية لفترة ليست بقصيرة , وهو يحمل الكثير من المؤشرات الخطرة على مجمل الحياة السياسية في سورية,فما حدث لم يكن وليد تفاعلات المباراة بين فريقين رياضيين وأنصارهما بل سبقته الكثير من المقدمات.

 أولاً : تنامي محدود ولكن مضطرد للحركة الوطنية الديمقراطية " السورية" , حيث استطاعت قوى  الحراك الديمقراطي أن تسجل حضوراً لها في الحياة السياسية السورية , وهو حضور رغم ضعف فعاليته أمكن من كسر (( احتكار السلطة )) للحياة السياسية . فأصبح هناك ما يعرف بالمعارضة الوطنية الديمقراطية , وتمكنت تلك المعارضة من اجتياز الكثير من المطبات والنكسات بفضل تمسكها بمسألتين أساسيتين :

أولهما: اعتمادها نهج العمل السياسي السلمي والعلني , ونبذها للعنف , وهو نهج أفقد السلطة الكثير من مبررات استخدام العنف الشديد ضدها , وعبر هذا النهج  أدارت القوى الديمقراطية العديد من المعارك الصغيرة الناجحة , وكانت من أبرز تلك المعارك ما سيمت بمحاكمة النشطاء الأربعة عشرة أمام القضاء العسكري في حلب ,والتي أظهرت الحركة الاحتجاجية السورية بمظهرها الحضاري والصلب في آن واحد . يضاف إلى تلك المعركة حركة الاحتجاجات الشعبية بمناسبات وطنية وديمقراطية .

ثانيهما: ربط معركتها الديمقراطية بالمسألة الوطنية , ورفض الربط بينها  وبين ما يمارس من ضغوط خارجية لتحقيق مكاسب لدول كبرى تمس المصالح القومية العليا , وكان من الواضح أن الحركة الوطنية السورية على استعداد لتحمل نتائج القطيعة مع المصالح الخارجية , ولو أدى ذلك إلى إضعاف العامل الخارجي في التأثير على السلطة السورية لتقديم تنازلات في مجال الإصلاح الديمقراطي .

ثانياً: تنامي الأصوات الأمنية المنزعجة من إضعاف دورها بالإطباق على حركة الشارع السوري , وهو دور يتعدى مجرد ( عشق السلطة وعنجهية القوة ) إلى ما أنتجته تلك القبضة الأمنية من مصالح ومكاسب مالية لأفراد وعناصر وقيادات في تلك السلطة الأمنية , وقد جرى التعبير عن ذلك الانزعاج بسلسلة من المواقف منها اعتقال النشطاء العشرة في دمشق في ما سمي بخريف دمشق , وملاحقة بعض متتبعي شبكة ( الانترنت ) ومنع النزول إلى الشارع في التظاهرات والاعتصامات في بعض المدن السورية , وصولاً إلى اعتقال النشطاء الأربعة عشرة في حلب  ومن ثم محاكمتهم أمام القضاء العسكري بموجب قانون إعلان حالة الأحكام العرفية , وصولاً إلى تعرض اعتصام الطلاب السلمي والذي رفع شعار ( مطالبية ) تتعلق بتوظيف خريجي الجامعات , ومن ثم إصدار قرارات فصل تعسفية لعدد من أولئك الطلبة في محاولة لإجهاض الحركة الديمقراطية الطلابية .

ثالثاً: دخول الضغط الأمريكي على سورية مرحلة متطورة تمثلت بإقرار قانون محاسبة سورية وبتشكيل ما سمي بالمعارضة الخارجية ( المؤيدة و المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية ) ومنحها حضوراً إعلانياً واسعاً يغطي على هامشية العناصر التي شكلت الحلقة الأولى من تلك المعارضة , ومن الملاحظ هنا أن الولايات المتحدة التي لم تستطع اختراق المعارضة التقليدية السورية التي تتألف أساساً من القوى الوطنية الديمقراطية في الداخل , ومن المعارضة الإسلامية في الخارج - حيث أن كلاً من جناحي تلك المعارضة رفض أي تعاون مع الإدارة الأمريكية  وشكل كل منهما بشكل منفرد وربما لأسباب متباينة حالة تعارض وتصادم مع المخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة , وعدم التمكن من تحقيق هذا الاختراق الأمريكي للمعارضة , اضطرها لاستعارة النموذج العراقي عبر صنع معارضة مرتبطة  بها بشكل مباشر ولو كانت ضعيفة في البداية ,على أن يجري تدعيمها بعناصر أكثر فعالية في مرحلة لاحقة, كما عملت الإدارة الأمريكية على تكثيف حضورها داخل سورية عبر الاحتكاك المباشر بالمؤسسات والإدارات والهيئات الشعبية والرسمية بموافقة السلطات السورية ذاتها , فنظمت السفارة الأمريكية ووزارة الخارجية , ندوات ودورات مشتركة مع جهات سورية حكومية وشبه حكومية , واستطاعت الولايات المتحدة أن تقطع الطريق أمام المناورة السورية الاستراتيجية لتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي لتخفيف الضغط على السلطات السورية , حين دفعت الإدارة الأمريكية الاتحاد الأوروبي للضغط على سورية من أجل تفكيك سلاحها الدفاعي الاستراتيجي ودفعها للانسحاب من لبنان .

في هذه الأجواء والمناخات بدأت بعض القوى التي تنشط ضمن الأقليات الأثنية تتحرك بسرعة للاستفادة من الوجود الأمريكي من أجل انتزاع بعض مطالبها ، وهي مطالب أججتها أحداث العراق التي حملت حلم تقسيم العراق على أسس أثنية وطوائفية من كونه مجرد حلم إلى واقع معاش متجاوزة المطالب الوطنية والديمقراطية التي تتشارك بها مع قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية , والتي تمثلت حينها بتحقيق الديمقراطية , وإزالة المظالم , واستعادة حقوق المواطنة لجميع المواطنين السوريين , ومن المهم هنا أن نلاحظ أن الأيام الأخيرة التي سبقت أحداث الشغب حملت تأجيجاً وتصعيداً واضحاً لإثارة النعرات الأقوامية من خلال الاحتفال بيوم توقيع الدستور العراقي المؤقت الذي اعتبره معظم المواطنين السوريين مشروعاً لإدامة الاحتلال ولنزع هوية العراق العربية وتقسيمه , ومن خلال إحياء مأتم القتلى الأكراد دون غيرهم من العراقيين في حوادث العنف المتبادل في العراق ، والتي جرى معظمها على خلفية المواقف من الاحتلال وليس على أساس أقوامي وطائفي كما روّج لدى بعض الأطراف .

حيث أن المتهم الأول في أحداث العنف التي استهدفت أحزاباً عراقية كردية متعاونة مع الاحتلال وفق الروايات الأمريكية ذاتها كان تنظيم أنصار الإسلام الكردي المعارض للاحتلال ، كما ترافقت تلك الأحداث مع عمليات اعتقال لبعض الكوادر من حركات سياسية كردية ساهمت في حراك مطلبي سلمي .

في هذه الأجواء جاءت أحداث المباراة بين فريق الفتوة ( من دير الزور ) والذي يعارض أغلب مشجعيه الاحتلال الأمريكي للعراق كمعظم السوريين ، وبين فريق الجهاد ، (من القامشلي )الذي يؤيده فئات يناصر بعضها الأحزاب الكردية الانفصالية في الشمال العراقي ، وتحولت المباراة من فعل رياضي إلى فعل سياسي ، تبادل فيها الطرفان الهتافات السياسية، و كانت حالة متوقعة بشكل مسبق ، حتى أنها دعت البعض إلى طلب إلغاء المباراة أو تأجيلها وهو الأمر الذي لم تتم الاستجابة له ، فيما بدا وكأنه قبول بالاتجاه نحو الصدام أو على الأقل عدم استيعاب لما يمكن أن ينتج عنه . وكان من الممكن أن تسجل الأحداث في خانة شغب الملاعب لولا بعض الظواهر الملفتة للنظر وفي مقدمتها :

1- رفع شعارات تتعدى المواقف المقبولة في الشارع السوري ، مثل رفع أعلام انفصالية وحرق العلم السوري ورفع صور وشعارات وأعلام أمريكية في محاولة واضحة للاستقواء بأمريكا, والتعدي على مقار رسمية وهي ظاهرة ملفتة للنظر لأنها لم تكن حوادث فردية بل شبه عامة ولأنها تتعدى مطالب وطنية وديمقراطية .

2- تعميق الانقسام الوطني عبر تجييش ( الرعاع ) للقيام بأعمال عنف على الهوية في كلا الجانبين كفعل أو ردود فعل مقابلة ، وطالت أعمال عنف مصالح أهلية غير رسمية .

3- نقل أحداث العنف إلى مناطق وتجمعات مختلفة بشكل سريع على أسس أثنية لا وطنية عامة .

4- إتباع السلطات الرسمية الحلول الأمنية واستعمال القوة المفرطة ، بدل البحث عن حلول سياسية مرنة تستوعب الأحداث .

ومن المؤكد أن المستفيد الأول من الأحداث مجموعة من الأطراف في مقدمتها ، الإدارة الأمريكية والصهيونية التي تريد المزيد من الضغط على سورية على طريق تحقيق كامل مطالبها الاستراتيجية ، والجهات السورية الأمنية التي تسعى إلى استعادة الدولة الأمنية لمكانتها التي اضطرت للتراجع عن بعض مظاهرها خلال السنوات السابقة فيما سمي بسياسة الانفراج المحدود ، والخاسر الأكبر هو المواطن السوري والشعب السوري الذي راحت تفرض عليه بعض أجواء عقد الثمانيات وعقابيله ، والحركة الوطنية الديمقراطية السورية التي اضطرت للانكفاء المحدود وإن استعاضت عنه بذلك الجهد الكبير الذي بذلته لاحتواء الأزمة وإعادتها إلى مدرج الفعل السياسي الديمقراطي السلمي .

وأخيراً : قد يبدو أن أحداث الشغب والعنف تراجعت وأمكن السيطرة عليها ، ولكن من الخطأ الكبير الاعتقاد أنه تم تجاوز تلك الأحداث التي ستبقى كامنة وقابلة للانفجار في كل لحظة ، حيث أن استعادة العقلية الأمنية لدورها في مرحلة الثمانيات باتت مستحيلة فالتاريخ لا يعيد نفسه, كما أن حلم تحقيق انفصال  في سورية على أساس اثني مستحيل لأسباب وطنية ودولية وإقليمية ، وهو مجرد وهم ، وورقة ابتزاز في أيدي القوى الخارجية .

إن فهم هذه الحقيقة يستدعي العمل الدؤوب من جميع الأطراف الوطنية من أجل  حلول تلغي كوامن الأزمة وعوامل التفجير , وهي حلول تقوم على :

1ـ رفض إعادة إنتاج الدولة الأمنية تحت أي اعتبار , والضغط من أجل تحقيق إنجازات ديمقراطية في ظل تحول لصالح الدولة الوطنية الديمقراطية .

2ـ السعي لقطع الطريق أمام أي استقواء بالخارج الأمريكي ـ الصهيوني . نظراً لآثاره المدمرة على الوطن وعلى الوحدة الوطنية .

3ـ التأكيد على حق المواطنين السوريين بالتساوي أمام القانون , مع التأكيد على أن المواطنية هي حقوق وواجبات متلازمة , حيث لا يمكن المطالبة بحقوق المواطن السوري لمن لا يعترف بالهوية السورية , ويدعو لإقامة كيان انفصالي يقسم الأرض والشعب .

4ـ نبذ العنف  في العمل السياسي الوطني , من قبل جميع الأطراف ورفض العنف المفرط حتى في تلك الحالات التي يفرضها القانون ومتطلبات الأمن .

5ـ التأكيد على أهمية دور القوى الوطنية في تعميق الحس ّ الوطني لدى جميع فئات الشعب وأطيافه مهما بدت الصعوبات كبيرة أمام هذا النهج , ومهما بدت عدم شعبية هذا الدور في المرحلة الراهنة لدى بعض الفئات والأطراف والشرائح الشعبية .

6ـ التأكيد على البعد الوطني في النضال الديمقراطي بحيث يُعزَّز النضال المشترك على حساب النضالات الفئوية , وتصبح المطالب الفئوية جزءاً من المطلب الوطني العام المشترك .

7ـ دعوة السلطات للاستجابة للمطالب الوطنية في إطلاق الحريات العامة وفي مقدمتها حرية العمل السياسي على قاعدة التعددية وإلغاء القيود المفروضة على تلك الحريات .

السابق

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
  اتصل بنا  
   
   

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ