وصل
إلى مركز الشرق العربي :
بيان
من لجان إحياء المجتمع المدني
حول
حكومة الإصلاح
الإداري
أعلن
الرئيس بشار الأسد في اجتماع الجبهة
الوطنية الأخير عن تشكيل حكومة إصلاح
إداري وحوار وطني في الفترة القادمة .
هذا الإعلان كان على بساطته شيئا جديدا
بالنسبة إلى تقاليد العمل الرسمي
عندنا ، التي ترى في السلطة وما يتصل
بها منطقة مظلمة لا يحق للمواطن معرفة
ما يدور داخلها ، بما في ذلك متى تشكل
الحكومة ومتى تعفى من عملها ، ومن الذي
سيشكلها وعلى أية أسس ولأية أهداف … الخ .
وقد
لوحظ اهتمام شعبي ملموس في الأيام
القليلة التالية للإعلان ، رغم الغموض
الذي أحاط به ، وطال اسم المرشح لتشكيل
الحكومة الجديدة ، والبرنامج الذي
سيحققه ، والجهات التي سيتعاون معها .
لكن الاهتمام تراجع بعد سحب كلمة
الحوار الوطني من التداول الإعلامي ،
وظهور ما يوحي بأن الحكومة لن ترى
النور بسرعة ، وقد ينتظر تشكيلها
الانتهاء من إصلاح رئاسة مجلس الوزراء
والوزارات . ورافق هذا الانطباع إشاعات
تقول إن رئيس الوزارة الحالية سيكون
رئيس الوزارة الجديدة ، فحدث إحباط ما
في الشارع ، لأن الرجل الذي لعب دورا في
إفشال الإصلاح الاقتصادي سيكون بطل
إفشال الإصلاح الإداري ، إن بقي في
منصبه .
واليوم ، وقد دخلت مسألة الإصلاح
الإداري والحوار الوطني في دهاليز
النظام السرية ، نجد من واجبنا التأكيد
على أن الوزارة كان يجب أن تشكل في وضح
النهار ، وأن يكون للرأي العام وأصحاب
الخبرة رأي فيها ، وفي المرحلة التي
تحيط بعملها ، والبرنامج الذي يجب أن
تعتمده وتنفذه ، فالإصلاح الإداري ليس
من صيغة أو طبيعة واحدة ، وليس من
المعقول أن يقتصر على تخطيط وتصريف
الأعمال التنفيذية ، وأن يكون شأنا
وزاريا أو يخص السلطة وحدها ، بل يجب
التعامل معه بصفته جهدا وطنيا شاملا
يطال مختلف جوانب وجود وعمل الدولة
والمجتمع والسلطة والمواطن ، ويتخطى
الإداريات إلى إعادة هيكلة الدولة
والسلطة ضمن علاقة جديدة تجمعهما ،
تخضع الثانية فيها للأولى ولمعايير
قانونية وإجرائية شرعية يحظر انتهاكها
، خاصة من قبل جهات الوصاية والرقابة
السرية ، التي لا تخضع للحساب والعقاب
بل تحاسب وتعاقب الجميع ، وتضع نفسها
فوق القانون والإرادة العامة ومصالح
الوطن العليا. إلى هذا ، سيكون الإصلاح
الإداري مستحيلا دون فصل السلطات
واستقلالها ، ودون مسؤولية الحكومة
أمام برلمان منتخب بحرية ودون صحافة
حرة ، وهو لن ينجح إذا لم نحرر أنفسنا
من ذهنية حزبية ضيقة تحتجز التقدم
والتطور وتضعنا خارج العصر وقيم
الديموقراطية والحرية ، ببنما تفرض
مستجدات وضعنا الداخلي نهجا مختلفا في
التعاطي مع قضايانا ، يأخذ بذهنية
منفتحة ومحاورة ، تحتضن حوارا وطنيا
دائما يتناول مختلف قضايانا بصراحة
وواقعية ، ساحته وسائل إعلام تحولت إلى
مختبر للتفكير الجديد ، وموضوعه
البديل الذي تحتاجه إليه بلادنا ،
فالإصلاح ، وخاصة الإداري منه ، لن
يتحقق في نظام مغلق واستبعادي ، وفي ظل
قضاء فاسد، وبيروقراطية مرتشية ،
وسيطرة حزبية لم تنتج غير شعارات مسطحة
، وشعب مغيب عن الشأن العام ينهشه
الفقر وعسر الحياة . هل من الضروري
القول : إن وجود وزراء سيادة
أبديين يعد دليلا إضافيا على مناعة
العقبات التي يضعها النظام نفسه في وجه
التطوير والتحديث ، خاصة إذا تذكرنا أن
هؤلاء ليسوا مسؤولين أمام رئيس مجلس
الوزراء أو البرلمان ، وليسوا ملزمين
بحضور اجتماعات الحكومة أو بإعلام
أعضائها بحقائق ما يحدث، ويتصرفون
كأعضاء في أخوية سرية يثقون في قدرتها
على حمايتهم في جميع الظروف والأحوال .
أخيرا ، كنا نتمنى لو أن الأحزاب ،
الموالية منها والمعارضة ، رأت في
تشكيل الحكومة الجديدة مناسبة لقول
رأيها في الإصلاح الإداري والحوار
الوطني ، وكنا نتمنى لو فتح الإعلام
أبوابه لأصحاب الآراء المختلفة . لكن شيئا
من هذا لم يحدث ، كأن تشكيل حكومة جديدة
ليس شأنا يهم الجميع ويجب أن يكون لهم
رأي فيه ، أو كأن الحكومة لا يجوز أن
تشكل إلا تحت جنح الظلام وفي غياب
المجتمعين المدني والسياسي . السؤال
الآن هو : هل ستعمل حكومة الإصلاح
الإداري والحوار الوطني بالروحية التي
عملت بها السلطة إلى اليوم ، فلا تفيد
عندئذ أية ألقاب ومحسنات كلامية ، أم
تختط نهجا جديدا يجعل الحوار الوطني
سبيلا إلى إصلاح إداري يكون المدخل إلى
إصلاح وطني شامل ينهي الاحتباس الذي
يخنقها ويقوض قدرتها على النهوض ؟.
وإننا إذ نرحب بأي حكومة إصلاح ،
خاصة إن كان سيعيد للقانون سلطته
وسيكافح الفساد ، فإننا نذكّر أن
الإصلاح السياسي والديموقراطي يبقى
مقدمة ورافعة أي إصلاح ، وأن الوقت
يمضي بسرعة ، وما يقبل الإصلاح اليوم
قد لا يكون ممكنا إصلاحه غدا !
دمشق
في 22/8 /2003
لجان
إحياء المجتمع المدني
|