الأمريكيون
العرب
(الأمريكيون
العرب) لا نقصد بهذا العنوان الجالية
العربية التي تعيش في أمريكا.. أي (العرب
الأمريكيين) فهؤلاء أكرم وأعز علينا،
وهم الذين لا يزالون يعربون عن صدق
ولاء وحرص على انتماء وسداد رؤية وبعد
نظر. نسمع منهم حين يتحدثون، ونقرأ حين
يكتبون كل ما يبشر بخير وفضل ؛ وإنما
نقصد أقواماً تأمركوا وهم يعيشون بين
ظهرانينا، يرددون كغراب البين نعيب
المسؤول الأمريكي، مهما صغر مقامه أو
تدنت رتبته.
منذ
الخمسينات وثمة حرب باردة أمريكية تشن
على هذه الأمة.. استطاعت الإدارة
الأمريكية خلالها أن (تأمرك) الكثير من
النخب والقيادات السياسية والفكرية
والثقافية، وأن تسيطر على مفاصل
الحياة العامة العربية. كان البرنامج
الأمريكي يدخل علينا من كل باب، تحت
عناوين السياسة والاقتصاد والثقافة
والفن والترفيه والسياحة والمساعدات.
كان من شأن أمريكا أن تستضيف بطريقة
مريبة ومكشوفة من تتوقع له مستقبلاً في
واقع هذه الأمة، ومن هنا كانت فجيعتها
بسيد قطب رحمه الله حين استضافته
لتغويه فعراها في كتابه (أمريكا التي
رأيت).
حلف
عسكري، ومعاهدة سياسية، ومركز ثقافي،
وكيس دقيق، ومؤسسات طبية، وبعثات
تعليمية، وجوائز عالمية كل تلك
العناوين شاركت في صنع جيل الأمريكيين
العرب الذين يملؤون علينا اليوم السهل
والجبل، ويطلون علينا على صفحات الصحف
أو منابر الفضائيات. والعطاء الأمريكي
بدون حدود، يفرد جناحيه غطاء ووطاء
للمتعاونين، ويصل بهم إلى أعلى مواقع
على أعلى التأثير السياسي والفكري
والثقافي.
الأمريكيون
العرب من المحيط إلى المحيط يتطاولون
هذه الأيام علينا بقوة سيدهم، ويشبعون
شعوبهم ذماً وتحقيراً وتقريعاً
واتهاماً بالتخلف والغباء والقصور عن
إدراك عطاءات السيد وافضالاته، ومعاني
الالتصاق به والالتحاق بنسبته،
والخضوع لإرادته، وإعلان البراء من كل
ما نما تحت هذه السماء العربية أو دب
على الأرض، والولاء المطلق لحركة من
رأس الرئيس بوش أو غمزة من إحدى عينيه
الخزراوين.
المهمة
الأساسية للأمريكيين العرب هي تزيين
الخنوع وتجميل التبعية، والتأكيد على
ضرورة الانبطاح لا الانحناء فقط، أمام
القدر الأمريكي الذي لا غالب له فيما
يرون.. وهم من فلسطين إلى العراق إلى
أفغانستان إلى الحجاز إلى الشام
يسوقون الوصفات نفسها، ويلوكون
الكلمات عينها.
انتقل
بنا الأمريكيون العرب هذه الأيام من
الحديث عن الثقافة والفكر والسياسة
إلى الحديث عن الدين والقيم، فراحوا
يؤكدون أن لا أحد يفهم ما جاء به محمد
صلى الله عليه وسلم فهماً حقيقياً إلا
بوش ورامسفيلد وكوندوليزا رايس، منهم
ينبغي أن نأخذ الإسلام، وعن طريقهم يجب
أن نلتزم طرائقه وحقائقه في الاعتقاد
والتصور والتفكير وفي مناهج الحياة
وأنماط العيش..
ويبدو
هؤلاء (الأمريكيين العرب) متظاهرين على
هذه الأمة بعدوها، وبالوسائل التي
مكنهم منها هذا العدو من صحف ومجلات
ومنابر للقول والفعل قد استوطؤوا
الجدار واستهانوا بالهيبة وراحوا
ينفثون وينفخون ليطفؤوا شمس الحقيقة
ويأبى الله.
10
/ 2 / 2004
|