آخر تحديث يوم الخميس 02 - 10 - 2003م

.....

برق الشرق

 (أبوفاس) الأمريكي

لعالمنا العربي والإسلامي

يباع في أسواقنا نحن أبناء العالم المحروم المقهور دواء شعبي يدعى (أبوفاس) يطرحه الباعة في السوق على أنه (أبوفاس لوجع الرجلين ووجع الراس)، وهكذا يكون (أبوفاس) علاجاً لكل مستعص من الأمراض، يصفه الناس لبعضهم في مجالسهم ومنتدياتهم على أنه العقار السحري الذي عليه المعول وإليه المآل.

كثير من رجال الإعلام العربي الرسميين والشعبيين غدوا ينادون على الوصفات الأمريكية الجاهزة، لعالمنا العربي والإسلامي، كما ينادي البائع الغلبان على (أبوفاس).. فالوصفات الأمريكية وبالمقاسات الأمريكية تصلح كل شيء في منطقتنا، العقائد والأفكار والسياسات والاقتصاد والاجتماع !!

(الاقتصاد الحرّ) وصفة أمريكية جاهزة حتى لساكن الخيمة والرصيف والعشة وللمبتلى بالبطالة أو بالعجز المطلق، إذ على هؤلاء جميعاً أن يدخلوا السوق الأمريكي المحموم لينافسوا بأسمالهم وبما لا يملكون ؛ ولو أدى هذا الاقتصاد إلى أن يموت الآلاف المؤلفة بل الملايين من أبناء هذه البلاد جوعاً لا لعجزهم ولا لضعفهم فقط، وإنما لأن (لوكيميا) الفساد الاقتصادية التي تنخر الاقتصاد الأمريكي فيحتملها، لا يستطيعها جسم هذه المنطقة المبتلى، ليس بتقص الخيرات ولا بنقص الخبرات وإنما بنقص الإمكانات التي تجعل الإنسان قادراً على الوقوف على قدميه في وجه التحديات. في بلد مثل بلدنا سورية جلس رئيس وزراء في منصبه 10 سنوات ثم اكتشف أنه.. كما اكتشف نائب رئيس وزراء بعده، وبالأمس قالوا إنهم فرضوا الحجز التحفظي على أموال وزير وزوجته.. ولو أن منجل الإصلاح  وازت في قطف رؤوس الفساد كما تفعل الحصادات الآلية لما بقي في الحقل العام سعد ليخبر عن هلاك سُعيد..

ومن الاقتصاد ينتقل عرابو (أبوفاس) الأمريكي للحديث عن الحرية الاجتماعية.. والحرية الاجتماعية أو حرية المرأة التي لم يدرك منها القابضون على ناصية الإعلام إلا تقديم المزيد من الهبوط (الهوليودي) في صور (فيديو كليب) الممتلئة بالقذارات والحثالات الملفوفة بعناوين الفن والتي نعف في هذا المقام عن الحديث عنها.

هذه الحرية الأمريكية (النسائية) المصبوغة بألوان هوليود هي القدوة التي يدفعنا إليها سماسرة الوصفة الأمريكية التي تلح إلحاحاً غير مسبوق على تحرير المرأة العربية المسلمة من حيائها قبل حشمتها ولباسها، ولا ينتبه عرابو هذه الوصفة إلى أن الرجل العربي يعاني من أشكال من الظلم والاضطهاد في عقيدته ورأيه وفكره وأن 90 % من أبناء هذه الأمة لم يشاركوا خلال قرن مضى في انتخابات حقيقية لاختيار رئيس، ولم يستطيعوا أن يحاسبوا مجرد وزير.

(النطاسي) الأمريكي الذي يطلق صبيانه في الأسواق وعلى الأرصفة العربية لا يتحدث كثيراً عن أزمة الاستبداد وأزمة مصادرة الحرية، حرية الانتماء الحضاري وحرية الانتماء الديني وحرية الممارسة الشعائرية، وحرية التعبير والقول، وحرية اختيار النظام والمنهج والتشريع !!

(أبوفاس) الأمريكي الذي يقدمه السماسرة المتأمركون على الأرصفة العربية هو ذاك العقار السحري الذي يركز في هوية الإنسان العربي والمسلم كل انحطاط الحياة الأمريكية وسفالاتها، دون البعد العملي والجاد فيها.

لأن أي شعب عربي أو أي قائد عربي، يفكر أن يسير على بعض الطريق الأمريكي القاصد الجاد سيكون جيش الولايات المتحدة له ولبلده بالمرصاد. فلم يكن احتلال العراق غضباً للحرية، ولحقوق الإنسان ولا للمقابر الجماعية، ولا للفساد الاقتصادي، وإنما كان لأن (إشاعة) تحدثت أن الرئيس العراقي كان يفكر بأن يمتلك بعض ما في ترسانة (إسرائيل) أو (الولايات المتحدة) من سلاح.. !!

02 / 10 / 2003