آخر تحديث يوم الثلاثاء 27 - 05 - 2003م

.....

برق الشرق

بين المطالب الوطنية والمطالب الأمريكية

تتسارع خطوات الاستجابة الرسمية السورية للمطالب الأمريكية بوتيرة عالية، بدء من ملابس الطلبة في مراحل التعليم الأساسي، ومواد التدريب العسكري الذي اعتبر في فترة من الفترات جزء اساسياً من مجتمع تحتل أرضه ويتهدده العدوان من أكثر من اتجاه، وانتهاء بنفض اليد من الإسناد العراقي واللبناني، ولجم منظمات التحرير الفلسطينية، وإعلان التخلي المسبق عن أي وجهة نظر خصوصية في الحل الفلسطيني، الذي يشكل بدوره بعداً إقليمياً لا يمكن لسورية أن تغضي عنه.

الولايات المتحدة لا تكاد تقنع، ولا نظنها ستقنع، بل هي ترمق التنازلات السورية شزراً، وفي كل مرة تطلب المزيد. والرسميون السوريون الذين وضعوا نصب أعينهم التربع في مربع الرضى الأمريكي عن طريق العودة المطلقة وغير المشروطة إلى بيت الطاعة يراوغون أمام هذه الحقيقة مراهنين على محاولات يائسة لكسب الوقت، الذي أثبتت التجربة أنه حسب المسار الذي اختاره السوريون كان دائماً في مصلحة الآخرين.

(الدوطة) التي تدفعها سورية أو النظام فيها للفارس الأمريكي تثير انتقاد وحنق المواطن السوري، الذي يتساءل كيف يلغي التدريب العسكري من المدارس والمعاهد والجامعات السورية مثلاً، وفي الجوار استعمار استيطاني مجتمعي عسكري كلُّ من فيه وهو مزود بأعتى أنواع الأسلحة وأكثر فتكاً ؟!!

كما يتساءل المواطن السوري: هل سيبدأ حكام دمشق بتنفيذ (اتفاقيات السلام) واستحقاقاتها من طرف واحد، على غرار ما فعل الصهاينة في جنوب لبنان، فتبدأ القيادة العسكرية بتقليص عدد القوات، وتعيد النظر في نظام الخدمة الإلزامية، وفي انتشار الوحدات والقطع العسكرية، وأنظمة التسليح في الجيش السوري، على جبهة الجولان المحتل، وهل ستبادر الحكومة السورية إلى نشر محطات (الإنذار المبكر) الأمريكية والفرنسية كجزء من استحقاقات السلام المأمول ؟ وإلى أي مدى ستتمسك القيادة السورية بأهمية وجبة شواء على شواطئ بحيرة طبرية تلك التي أفشلت لقاء جنيف مع الرئيس كلينتون سنة 2000 ؟!

يظن القائمون على الأمر في سورية أن تتايعهم في تنفيذ الاستحقاقات الأمريكية ـ الصهيونية في صورة من العفوية والتلقائية، يخفف من حدة الحرج عنهم، ويحفظ لهم بعض ماء الوجه أمام نبرة الخطاب العالي التي تمترسوا خلفها، ومايزالون، وحتى وهم يغرقون في مستنقع التنازلات.

المواطنون السوريون ـ ونحن منهم ـ لا يرون أن معركتهم بأي شكل هي مع النظام، ولا يبدون أي حرص أو رغبة في تبكيته أو تسجيل المواقف عليه، فالمعادلة في رأي المخلصين من أبناء الوطن الغيورين عليه أصعب وأبعد خطراً من صراع بيني زائف، يسجل فيه محكوم موقفاً على حاكم.

المواطنون السوريون يؤكدون للنظام أن تعاطيه السياسي مع الواقع الجديد ينقصه الكثير من الحكمة وبعد النظر وحسن التأتي. ويؤكدون أنه لا يمكن للنظام أن يراهن على إسناد (أمريكي) أو (صهيوني) وهو يسير بعيداً عن مواطنيه، ويتجاهل مواقفهم وتطلعاتهم. الموقف الرسمي السوري يذكر بعامل الدهان الذي قال لمعلمه (أمسك الفرشاة جيداً سأسحب السلم !!) صورة واقعية لعبثية محاولات الخلاص اليائسة التي يحاولها النظام. للمواطن السوري من جهته مطالبه في التغيير والتطوير التي تختلف عن المطالب الأمريكية الصهيونية فهو يطالب بالصمود حيث يطالبون بالتنازل، وهو إن كان لا يملك طائرات أمريكا ولا دباباتها ولا أسلحة الدمار الشامل التي يملكها شارون. ولكنه يبقى الحقيقة الوحيدة الراسخة على أرض الوطن عندما تغيب القيادات والأحزاب. يملك انتماءه إلى هذا الوطن، وحبه له واستعداده المطلق للتضحية في سبيله، وهذه الحقائق التي لا قيمة لها في ميزان النظام المتعلق ببيضة القبان الأمريكية هي الحقائق الباقية التي ستصنع مستقبل سورية القريب.

كلما أمعن النظام السوري في سياسات الاسترضاء للمطلب الأمريكي الصهيوني، سار بعيداً عن مواطنيه، ولا أحد يدري متى سيحس هذا النظام أنه أصبح أو أمسى بلا غطاء ولا وطاء.

27 / 5 / 2003