برق
الشرق
أصحاب
الحسابات الخاطئة
يؤكد
بعض ما يجري على الساحة العراقية أن
أناساً يهيمون في مربعاتهم الصغيرة،
في منعرجات حسابات خاطئة. حيث مازالوا
يمارسون مواقفهم الصامتة أو الناطقة،
المعبرة عن التناقضات الكثيرة التي
تنتظم المشهد العراقي.
وإذا
كانت تناقضات الواقع العراقي بأبعادها
الإثنية والمذهبية شاهداً على غنى
التراث الحضاري، وعلائق التسامح التي
انتظمت التاريخ، فإن هذه التناقضات
على عمقها أو هشاشتها لا يجوز أن تكون
ذنباً للعراق يدفع ثمنه في ساعة عسرته
فيطمع فيه بعض بنيه، ويتخلى عنه آخرون،
تحت ذرائع أوهى من بيت العنكبوت.
واضح
من تصرفات البعض وتصريحاتهم أنهم مع
معارضتهم للغزو الخارجي، لا يريدون
لجهدهم أن ينصب في سلة فريق آخر
فيؤثرون التربص والصمت. وهم حين
يشرذمون الوطن في المقام الذي هو فيه
إلى حصص وسلال يرتكبون خطأهم التاريخي
الذي لن يكون له في المستقبل من تلاف.
لذلك
فهم رغم رفضهم للعدوان وإدانتهم له، قد
آثروا أن يتربصوا بجهودهم نتائج
الجولة الأولى من الحرب. حيث يتوقعون
أنهم من خلال هذه المعادلة سيكونون
أكثر قدرة (مادية) و(سياسية) على
التعامل مع الواقع الجديد، وفرض
أجندتهم أو بعضها عليه. وربما يريدون
بموقف المتربص هذا، وهذا مهم جداً
بالنسبة إليهم، أن يحفظوا ماء وجوههم
أمام الرأي العام الإسلامي والعربي،
في عصر باتت فيه الأحداث والمواقف
والكلمات والتصريحات تبلغ مداها وتدخل
كل بيت، وتشارك في صناعة الفهم والموقف
لدى الآخرين.
حين
نعتبر المعركة معركة أمة، أو معركة وطن
كما هي في حقيقتها، وليست معركة فرد أو
نظام ؛ تسقط معادلة التربص تلقائياً،
ويظهر الوهن والخلل في مباديها
وغاياتها، وتؤشر على أصحابها بمؤشرات
لا تستقيم مع سياقات التاريخ والواقع.
الأمة
اليوم كلها مشدودة إلى أرض العراق،
ترقب ما يجري هناك، وتتابع الدور
الوطني العراقي بكل أبعاده وظلاله.
وقوى السيطرة العالمية تسعى جاهدة إلى
كسر كبرياء هذه الأمة، وغمسها في قرارة
الذل واليأس.
وقد
لا نخفي سراً إذا قلنا إن كلمة عابرة من
مواطن عادي في البصرة أو الموصل أو
النجف أو بغداد يمكن أن تشارك في رفع
معنويات الأمة، وأن تثبت خطأ بعض
التصورات المتوارثة، وأن تزيح كثيراً
من رواسب التاريخ، ويمكنها أيضاً أن
تفعل العكس !! كما أن فتوى شرعية أو
بياناً سياسياً يصدر من جهة أو حزب
يكون له أثره الفعال في التعبير عن
موقف أصحابه من هذه الأمة، لا من فرد
ولا من نظام، سلباً أو إيجاباً.
وإذا
كانت جماهير الأمة بوعيها العام
وتقديرها الفطري للأمور قد رفضت
وأدانت موقف التفرج ممن هم خارج العراق
؛ فإنها بلا شك أشد رفضاً وإدانة لمثل
هذا الموقف حين يصدر من أي فريق وطني
يعيش على الأرض العراقية مهما تكن
ذرائعه.
الحسابات
الصغيرة تشي بأصحابها وتسيء إليهم،
وهي حسابات خاسرة بلا شك على كل صعيد،
وفي كل مآل، وسيكون العراق هو الخاسر
الأكبر حين تصبح قواه الشعبية
والسياسية أعواداً بيد الغازي
الأمريكي يكسرها أو يروضها أو يكيفها
حسب مشيئته عوداً عوداً.
الحرب
اليوم في بعدها الإسلامي على الأمة كل
الأمة. وفي بعدها الوطني على العراق كل
العراق وخيارات أبناء الأمة كما أبناء
العراق: إما العقوق وإما الوفاء.
6
/ 4 / 2003
|