برق
الشرق
سـر
الآخـر .. أزمـة لغـة
يروى
أن أعرابياً مر بمجلس نحويين فسمعهم
يتحدثون عن الفعل والفاعل والمنصوب
والمرفوع، فقال: يتحدثون بلغتنا في
لغتنا بكلام ليس من لغتنا !!
وهكذا
آل الأمر في الخطاب الرسمي السياسي في
سورية، فمازلنا على مدرجة الفهم نحتاج
إلى توضيح الواضحات، وإقامة الدليل
على شمس النهار.
إن
من أساسيات الديمقراطية أن تعترف
بالآخر، وتصغي إليه، وتتفهم وجهة
نظره، ثم أن تحاوره، لتحدد موقفك منه.
وأنت مطالب كما قال فولتير يوماً وإن
خالفته الرأي أن تدفع حياتك ثمناً
لحريته، أو كما عبر الرئيس بشار الأسد
في خطاب القسم (أن
تستمد حقك من حقه!!) هذه العبارة التي عنت
الكثير لمن تابع لك الخطاب لم تلبث أن
تلاشت في دوامة التفسيرات اللغوية
العجفاء. ففي خطاب الرئيس بشار الأسد
في مجلس الشعب، قال ضمن حملته على
المعارضين (تحدثنا عن الآخر فظنوا أنهم
هم الآخر..) !!
وأحدثت
هذه العبارة صدمة ثقافية ارتدادية،
وأشارت إلى معضلة لغوية، فإن لم يكن رياض سيف ورياض
الترك ومأمون الحمصي وعارف دليلة.. هم (الآخر)
الأقرب لنظام الحكم في تماوهات الطيف
السياسي السوري، فمن عساه يكون ؟ وأين
سيقع في متتاليات هذا الطيف المشردون
والمهجرون والمحكومون، عسفاً
بالإعدام، لعقائدهم وآرائهم ؟! أين
سيقع الآخر (الإسلامي) أمام الأول الذي
تمثله الحكومة (العلمانية) ؟! والآخر (الكردي)
أمام الأول الذي تمثله الحكومة (القومية)
؟! أين سيقع الآخر (الليبرالي) أمام
الأول (الفردي) إلى آخر معطيات الطيف
السياسي التي يتموضع على مدرجتها (آخرون)
لا حد لهم ، وكل واحد فيهم صاحب سهم في
وطنه، قدروا أن الرئيس قد عناهم، في
خطاب القسم عندما تحدث عن حقه المستَمد
من حقوقهم !!
من
عساه يحل معضلة التخاطب هذه ؟! بل من
عساه يحل مشكلة من يرى نفسه الأول
والآخر؟!
تؤكد
الدكتورة بثينة شعبان، الناطقة باسم
الرئاسة، في جريدة تشرين السبت 15 / 3 / 2003
أن السيد الرئيس كان (شامخاً في كل
محاولات التشويش والتشويه التي تناولت
لغتنا الإعلامية ومفاهيمنا حتى عن
أنفسنا وبلادنا وحقوقنا داعياً
إلى وضوح الفكر والرؤية والمصطلح كي لا نغدو لقمة سائغة لمن
يستهدف وجودنا ومصيرنا ومستقبلنا..)
وهكذا
يبدو أن الدعوة إلى وضوح في الفكر والرؤية
والمصطلح
قد
غدت مطلباً عاماً شبه إجماعي، فنحن
مازلنا ننتظر مذكرة تفسيرية توضح من
المقصود (بالآخر) في خطاب القسم الأول
ذاك الذي يتمتع بحق السير على (أوتستراد)
الديمقراطية ذي الاتجاهين.
كان
حديث الرئيس بشار الأسد عن الآخر، في
خطاب القسم مبشراً وواعداً ثم وجدنا،
فجأة، أن هذا الآخر قد اضمحل أو تلاشى
تحت معميات الخطاب المتعالي والمسيطر،
الذي يقفز فوق الحقائق، ليكرر قول من
قال (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم
إلا سبيل الرشاد!!)
حين
يصر المرء على أن يكون هو الأول
والآخر، فهذا يعني أن سياسات الإقصاء
والاستئصال والاستفراد ماتزال تفعل
فعلها في عصر لم يعد يحتمل النتائج
المأساوية لجنايات الأفراد على الأمم
والشعوب والأوطان.
في
الكتاب العزيز (ولا يزالون مختلفين إلا
من رحم ربك ولذلك خلقهم)
جميل
من أبناء الأمة والوطن أن يجمعهم الحب
والألفة والتعاضد ليكونوا على قلب رجل
واحد، ولكن أن يكونوا على رأي رجل واحد
فذلك يعني الفساد والاستبداد والموت
والدمار.
17
/ 03 / 2003
|