بين
النفي والإثبات
هل
يضيع الجولان
الحفاظ
على السلطة هو الهدف الاستراتيجي
الأساسي الذي يضعه النظام السوري نصب
عينيه. وهو يظهر استعداده للذهاب مع
الأمريكيين أو غير الأمريكيين إلى أي
نقطة يشاؤون مقابل تحقيقه.
وتدرك
الولايات المتحدة من جانبها هذا السر،
كما يدركه شارون والعصبة الصهيونية
على أرض فلسطين. ولذا فإن الديبلوماسية
الأمريكية ماتزال تظلل على النظام في
مربع (الطمع).
بالمقارنة
بين الطروحات الأمريكية بالنسبة
للعراق وبين هذه التي تطرح بالنسبة
لسورية يدرك المتابع فروقاً أساسية في
الموقف الأمريكي والصهيوني. فالمطلوب
من النظام السوري فقط بعض الاستقامة،
بالمفهوم الأمريكي طبعاً، على محورين
اثنين: الوجود الأمريكي في العراق بكل
متعلقاته، والوجود الصهيوني على أرض
فلسطين، بدءاً مما يتعلق بالجولان..
وانتهاء بعدد أفراد الجيش السوري
وأماكن تمركزهم، مروراً بقوى المقاومة
الإسلامية (حزب الله). ثم ألحقت قضية
لبنان كمطلب إضافي نوعاً من ذر الرماد
في العيون.
في
مخاض الدفاع عن الذات يتلجلج موقف
النظام مضطرباً على دركات التنازل
بدون كوابح أو ضوابط من خلال رؤية تحصر
سبيل الخلاص في الحبل الذي يمتد من
يمين شارون.. وهي رؤية تؤكد أن (الجولان)
سيكون الثمن المباشر لفكاك الرقبة مما
يخاف النظام. ومن خلال هذه الرؤية
تتناثر التصريحات السورية، منذ أن
أطلق الرئيس بشار الأسد مبادرته في
النيويورك تايمز الأمريكية في آخر
العام المنصرم.
فمن
رئاسة الجمهورية إلى وزير الخارجية
إلى وزير الإعلام إلى أحاديث الزوار
والوسطاء نمسك بحزمة من التصريحات
السورية المتضاربة. مسؤول يثبت وآخر
ينفي: يصرون على مفاوضات على أساس
مدريد، ثم يقبلون بها بلا شروط أي
بإسقاط مبدأ (الأرض مقابل السلام)،
الذي يرفضه شارون، والقبول بمبدأ (السلام
مقابل الأمن) الذي طرحه، ولا سيما بعد
أن غدا الأمن ضرورياً للسوريين وحتى
للعقيد القذافي أيضاً.. فمادام
السوريون يشعرون بالقلق على وجودهم
أفلا يكون لمنديل الأمان الأمريكي ـ
الصهيوني ثمن يستحقه ؟! ثمن قد يتجاوز
الجولان والسلام.
ويقول
مسؤول سوري آخر: نريد أن (نستأنف)
المفاوضات من حيث توقفت، يجيب
الإسرائيليون بل (نبدأ) أي من نقطة
الصفر. فينقل الرئيس مبارك عن الرئيس
بشار الأسد بعد زيارة الأخير للقاهرة
أن سورية تقبل أن (تبدأ)، ولا يخفى على
أي لبيب الفرق بين البداية
والاستئناف، وماذا يمكن أن يضيع على
الطريق.
لن
نتنازل على شبر واحد من الأرض السورية
يصرح سوري عتيق، ويجيب آخر مستنداً على
كلام عراب أو صحفي صديق: يمكن أن يوجد
حل لشواطئ طبرية، ولا يتوقف مستقبل
المنطقة على بضعة أمتار.
(الجولان)
و(السلام) هي الورقة الوحيدة التي يرى
فيها النظام بوليصة التأمين للحفاظ
على استمراره، وهو مستعد أن يدفع ثمن
هذا الاستمرار.
حين
عطس بعض السوريين السذج في بروكسل لم
يشمتهم من واشنطن أحد.. لأن اللعبة التي
تدور بين الإدارتين (الأمريكية
والسورية) لا تمر على قضايا الشعب
السوري. ومن هنا وفي دوامة التصريحات
المتناقضة لرجال النظام، وبعد بداية
جديدة لمفاوضات قد تُنشئ بين دمشق وتل
أبيب علاقات جديدة متطورة تقوم على
أساس تأجيل القضايا العالقة حتى حين.
29
/ 1 / 2004
|