تعقيباً
على أحداث بالي
هل
يفرض الرئيس بوش أجندة ابن لادن على
العالم
وقعت أحداث
الحادي عشر من أيلول موقع الاستنكار
العام من الدول والمؤسسات والأحزاب
والشعوب، وجاء هذا الاستنكار ببواعثه
المختلفة، منطلقاً من خلفيات: إنسانية
وحضارية ودينية وسياسية. وإذا كان لابن
لادن منهجه في التفكير والسلوك
واختيار الآليات والوسائل لتحقيق
أهدافه المعلنة باسم الإسلام؛ فإن
جمهور العاملين في حقل الإسلام
السياسي بمن فيهم جماعة الإخوان
المسلمين بتنظيمها العام، كما
بتنظيماتها القطرية انضموا إلى الذين
شجبوا طرائق القتل العشوائي وإزهاق
النفوس الآدمية تحت الذرائع التي تقدم
بها المؤيدون لتلك الأعمال.
وجاء التعاطي
الأمريكي مع الحدث ليرد على ابن لادن
بالمنهج المرفوض ذاته، فكانت الحرب
العشوائية التي شنت على أفغانستان
شاهداً على زج المدنيين الأبرياء، من
غير أصحاب الياقات البيض، في معركة لم
يكونوا من جناتها، ولا من الضالعين
فيها؛ فقتل مدنيون وأطفال وشيوخ
ونساء، لا يُغْتَفَر قَتْلُهم باعتذار
أمريكي، كما لا تغسل دماءهم ملايين
الدولارات من المساعدات الأمريكية
التي يمكن أن تقدم للقطر المستضعف
المنكوب، الذي كان وقع الفعل الأمريكي
عليه، مع هشاشة هذا القطر، أقسى وأبعد
أثر من فعلة11/9 على قساوتها وفظاعة ما
تم فيها...
وانضم إلى السياق
الأفغاني، السياق الفلسطيني حيث
أُطلقت يد شارون في الشعب الفلسطيني
ذبحاً وتدميراً، فلم ينج من نيران
الأسلحة الأمريكية: طفل ولا امرأة ولا
شيخ وكل ما فعله ويفعله شارون على
الأرض الفلسطينية إنما هو محسوب على
الولايات المتحدة الأمريكية إدارة
وشعباً، لأن الحس العام لرجل الشارع
العادي، لا يميز كثيراً بين هذا أو
ذاك، كما أن منهج (ابن لادن) ومنهج (الرئيس
بوش) لا يميز عملياً بين هذا أو ذاك،
والتفسيرات غير المقنعة، والتذرع
بالخطأ الذي يطرحه الأمريكان مما يزيد
حنق المضطهدين والمظلومين وأشياعهم في
العالم الإسلامي المترامي الأطراف..
الفرق الأساسي من
حيث أسلوب التعاطي بين (بوش) و(ابن لادن)
أن الأول مدرع بقوة لا محدودة يأمر
وينهى ويجيش الجيوش ويحشد الأنصار،
ويستتبع الأمم والشعوب والحكومات رغبة
ورهبة، بينما الآخر مستضعف مطارد،
قوته في عزمه أكثر منها في سلاحه. وهذا
بالتالي يجعل (بوش) من الناحية
الأخلاقية أكبر مسؤولية، فهو الأقدر
على التحكم بفعله، وضبط إيقاع ضرباته.
بينما الآخر وبفعل عامل الضعف المادي
يضطر لانتهاز الفرص، وتحين ساعات
الغفلة، لينقض هنا وهناك، لا حسبما
تتطلب الرؤية وإنما حسبما تسنح الفرصة.
وهكذا أصبح طرفا المعركة يتعاطيان
بالأسلوب نفسه، وبالوسائل ذاتها..
لقد استنكرنا مع
العالم فظيعة الحادي عشر من أيلول،
ونستنكر اليوم حادثة العدوان على
حاملة النفط الفرنسية، وعلى مقهى أو
ملهى بالي في إندونيسيا، كما استنكرنا
قصف أفغانستان ومذابح (شاروش) في
فلسطين، وما قد يجري غداً على أرض
العراق. ولكن هذا الاستنكار لن ينفع
الإنسانية في شيء، كما أنه لن يغير وضع
العالم في شيء أيضاً..
في نظرية ابن
لادن أن (الجهاد) بالطريقة التي يراها
يجب أن ينتشر في أرجاء العالم، وهي
طريقة لم يقره عليها الكثير من أصحاب
العلم والفقه من المسلمين..
وإنما الذي أقره
عليها هو الرئيس بوش بطريقة تعامله
معه، حيث انتقل بالمنهج من (الاحتواء)
إلى (الانتشار)، فالرئيس بوش ومن ورائه
ترسانة من الرجال يفكرون في صراع
الحضارات على طريقة ابن لادن نفسها، بل
قد تكون أفكار ابن لادن هي الصيغة
المقابلة لأفكارهم. بحيث يختلط الفعل
برد الفعل، وتضيع أولية البيضة
والدجاجة.
ستكون أمريكا حسب
معطيات الصراع الظاهرية، قادرة على أن
تدمر كلّ ما هو قائم في وجهها فعلاً،
ولكنها ستعجز عن أشياء كثيرة؛ ستعجز عن
تغيير عقائد المسلمين، وتبديل دينهم،
ولو أنها استخدمت قدرتها على السبر
والإحصاء والقياس، لعلمت أن ردود
أفعالها المتشنجة قد دعمت كما وكيفاً
دائرة الالتزام بالإسلام والانتماء
إليه حتى بين الغربيين أنفسهم. وفتحت
النوافذ للتعاطف الانفعالي مع منهج
ابن لادن!
كما ستعجز أمريكا
عن ضبط إيقاع الحركات الخفية المضطربة
للسلوك الفردي للمكبوتين والمقهورين
الذين لا يعلم أحد متى ولا كيف
سينفجرون!!
وستعجز ثالثاً عن
أن تخصص لكل أمريكي أو غربي يتحرك في
أرجاء المسكونة حارساً ومُخْبرَين،
ويبدو أن هذا هو الذي يسوق الرئيس بوش،
حسب أجندة ابن لادن العالم إليه.
المطلوب سياسات احتواء تقي العالم
شرور الانفجارات الصغيرة التي لن تدمر
الولايات المتحدة أبداً، ولكنها ستؤلم
الإنسانية بكل تأكيد.
|