آخر تحديث يوم الأربعاء 23 - 04 - 2003م

.....

برق الشرق

مؤتمر الثمانية بلا بيان ختامي

كانت الدعوة للاجتماع الذي عقد في العربية السعودية الجمعة  18ـ 19/4/2003 موجهة أصلاً لدول الجوار العراقي (السعودية ـ الأردن ـ الكويت ـ سورية ـ تركية ـ إيران). ولأمر ما، كما تقول العرب، سارعت كل من مصر والبحرين إلى الانضمام للمؤتمر. وسرّ هذه المسارعة مازال مجهولاً.

لا بد أن يحظى أي اجتماع أولي من هذا النوع بالاهتمام والتأييد. فالاجتماع ببعديه الجغرافي والسياسي يمكن أن يفتح نافذة للفعل الإيجابي العربي والإسلامي. في لحظات تاريخية حرجة تأمرك فيها الفعل والفاعل وتصهين، وغدت أقطار الأمة بين مفعول به ومضاف إليه !!

التقى المجتمعون، وانفض السامر، دون أن يصدر بيان ختامي رسمي عن المؤتمر، قيل إنه صدر باللغة الإنكليزية، وكلف وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بإلقاء إشارات أولية عما توصل إليه المجتمعون إلى وسائل الإعلام.

لم تعبر الإشارات التي أدلى بها الأمير سعود الفيصل عن رؤية جديدة، ولا عن (وعد) يستحق اللقاء الذي عقد. وإنما كان، ما اعتبر بمثابة البيان الختامي، تكراراً لبعض العبارات النمطية التي ترددها: الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبة ودول عدم الانحياز، وكثير من الدول العربية فخصوصية المجتمعين لم تضف خصوصية على البيان. والحديث عن (استقلال العراق) (وحدة أراضيه) (خروج القوات الأجنبية) (عدم التدخل في الشؤون الداخلية)... إلخ حديث عام مكرور.

غني عن البيان أن المؤتمرات إنما تعقد للتأكيد على أمر أو لتطوير موقف، وهذا لم يحصل في اللقاء. بل إن بعض البصمات القطرية لدول الجوار العراقي، قد غابت في ضبابية العموم التي تحدث فيها وزير الخارجية السعودي. ولعل هذا العموم الضبابي التكراري هو الذي أفقد المؤتمر وقعه وصداه الدولي والإقليمي على حد سواء.

لحظ المتابعون أيضاً أن إشارات وزير الخارجية السعودي قد انصبت على (الشأن العراقي) و(التهديد الأمريكي لسورية). وأن المؤتمرين قد نسوا أو تناسوا الموضوع الفلسطيني، مع العلم أن (خارطة الطريق) على الطريق، وكذلك خرط وزارة فلسطينية تنال ثقة شارون قبل عرفات وقبل المجلس التشريعي الفلسطيني.

في الشأن العراقي أكد المؤتمرون على ضرورة انسحاب قوات الاحتلال من العراق بأقرب وقت ممكن!! وعبارة أقرب وقت ممكن هي الوعد الذي يطلقه المحتل الأمريكي والبريطاني، إذ أنهم جهروا قبل احتلال العراق وبعده بأنهم سينسحبون منه بأقرب وقت ممكن.

وطالب المؤتمرون بالحفاظ على (وحدة واستقلال العراق وسيادته على أراضيه.) ويبدو أن لفظ (الحفاظ) الذي يستخدم لما هو قائم، ليس له سياق. فإذا كان العراق محتلاً فكيف يكون مستقلاً، وكيف تكون له سيادة. وإذا كان العراق مقسماً عملياً في خطوط الحظر الجوي ذات المرتسم الجغرافي، في ظل دولة كردية شبه ناجزة، فكيف يكون الحفاظ على الوحدة. إن لم يكن بفعل إيجابي من دول الطوق وفق خطة مرسومة ؟!

أما الباقعتان الأكبر في هذه الإشارات فهما في الوعد الذي قطعه المؤتمرون على أنفسهم (بعدم التدخل في شؤون العراق الداخلية ودعوة الآخرين إلى ذلك) أما من هم الآخرون في هذا السياق فهذا هو الأمر المحير ؟ وهل هم المحتلون الأمريكيون ؟ هل يطالب السادة المجتمعون السيد غارنر ألا يتدخل في شؤون العراق الداخلية ؟!

أم أن العبارة وعد للأمريكي وليس لأبناء الأمة أن يخلي المجتمعون بين المحتل والشعب العراقي يفعل به ما يشاء، ويجدوا في مقولة عدم التدخل في الشؤون الداخلية ذريعة للتهرب من دعم أي مقاومة تكون للاحتلال، وهذا الذي تبغيه واشنطن !!

أما الأمر الأعجب فهو الحديث عن حق العراقيين في (تقرير المصير)!! وكأن المجتمعين قد أرادوا بهذه النافذة أن يفتحوا الباب لتقسيم العراق، لا لتوحيده، فهل حق تقرير المصير يعني أن يخير العراقيون في استفتاء عام بين (الاحتلال) و(الاستقلال)، أم أن هذا الحق يعني كما هو مرتسمه الطبيعي، فتح باب الخيارات المشبوهة للإثنيات والمذهبيات ليفكر كل فريق في مستقبل العراق حسب هواه !!

على المحور الثاني هو التصعيد الأمريكي ضد القطر العربي السوري اكتفى المؤتمرون برفض الاتهامات الأمريكية الموجهة إلى سورية، لأنهم لم يقتنعوا بها حسب تعبير الوزير السعودي.

الأمل الذي عقد على المؤتمر على جميع المستويات قد تلاشى. وكان المؤتمر كأن لم يكن، يبدو أن زماناً عصيباً ينتظر أبناء المنطقة أجمع يشل العقول ويعقل الألسن، وهي الفتنة التي تدع الحليم حيران.

22 / 4 / 2003