آخر تحديث يوم الأحد 25 - 01 - 2004م

.....

دافـوس

الشراكة الحقيقية تثمر أمناً وازدهاراً

يعتقد الرئيس بوش مصيباً أن المحيطات لم تعد تحمي بلاده، نقول له كلمة قالها مدير العالم في حينه عمر بن عبد العزيز لأحد ولاته: حصنها بالعدل.

الطريق إلى عالم أكثر أمناً يمر عبر بوابة أكثر عدلاً.. والرئيس بوش يظن أنه من خلال توسيع دائرة الأعداء، ودائرة المقهورين، ودائرة المستفَزَّين يمكن أن يوسع دائرة الأمن، ويتباهى أمام ناخبيه بإنجازاته، ولكن القراءة الواقعية لأحوال العالم تقول غير الذي يقول. تقول ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في مؤتمر دافوس: إن إجراءات الحرب على الإرهاب تؤدي إلى نتائج عكسية.

وتقول إنه منذ أحداث 11/9/2001، ونتيجة لردود الفعل الأمريكية المتهورة ؛ غدا العالم أكثر خوفاً وقلقاً وأكثر فوضى واضطراباً، وأقل أمناً. إن العالم كله اليوم يدفع ضريبة السياسات الأمريكية الاستعدائية والمثيرة للكراهية.. يدفعها الفرد من طمأنينته وسلامه الداخلي ومن وقته وجهده وماله.

أن تشعر بالخوف كلما ركبت طائرة، أو مررت عبر مطار، أو تحدثت عبر هاتفك النقال فندت منك عبارة قد تحسب عليك، أو تبرعت لجمعية خيرية، أو حولت حوالة مصرفية لتسدد قسط جامعي لولدك، أو لتقديم مساعدة شهرية لوالدك. من الرقيب الأمريكي الكامن عبر شبكة الأقمار الاصطناعية ذاك هو الإرهاب الحقيقي !!

تشكل ملتقيات الحوار بآفاقها ومستوياتها المتباينة معبراً حقيقياً لعالم أفضل يفعم بالأمن والازدهار. ولا أحد ينكر ما يسببه اضطراب حبل الأمن في العالم اليوم من قلق وخوف وهدر للوقت والجهد والمال. ولا أحد يستطيع أن يزعم أن التفجرات الإنسانية التي يشهدها العالم قد نشأت عن حالة من البطر أو الرغبة المجردة للعبث بالمفرقعات. ما يشهده العالم اليوم ناتج بالتأكيد عن إحساس فادح بالظلم، بغض النظر عن الموقف من طريقة التعبير عن هذا الإحساس.

ولكي تثمر الحوارات التي تدور في المؤتمرات والمنتديات على مستوياتها المختلفة سنحتاج أصلاً إلى الاتفاق على أسس الشراكة الإنسانية وقوانينها وآلياتها.

ولعل الشرط الأول في إمضاء هذه الشراكة ألا يكون عقدها عقد إذعان يفرضه الحاضر على المُغَّيب، والقوي على الضعيف، والغني على الفقير. عقود الإذعان لا تنشئ شراكة حقيقية، وإنما تنشئ شراكة وقتية ظاهرية، يتملص منها من أجبر عليها عند أول منعطف. ولا يغيب عن ذهن أي متابع طريقة استغلال الظروف السياسية والاقتصادية والديموغرافية لأقطار العالم التابع لتفرض عليها عقود مجحفة تخل بأساس وجودها وتكوينها.

أما الشرط الثاني لعقد الشراكة هذه فأن يمضيه أصحابه المعنيون.. إن غياب الديمقراطية عن العالم الإسلامي، وبالتالي غياب مخرجاتها الحقيقية، تجعل الحوار والشراكة تمضي في ضلالة.. فهذه النخب السياسية والفكرية تمثل في نظر شعوبها الغرب أكثر مما تمثل هؤلاء الشعوب. فالذين وقفوا في (دافوس) يستبعدون حقوق شعوبهم في التعبير عن ذواتها إنما كانوا يدافعون عن أنفسهم ومكاسبهم لا عن هذه الشعوب. الشراكة التي يغيب أحد طرفيها لا تصنع أمناً ولا ازدهاراً وهذه حقيقة ينبغي ألا تغيب.

نستطيع أن نثني على فكرة (مؤتمر المائة زعيم) ولكن من هؤلاء الذين سيمثلون هذه الأمة المغيبة في مثل هذا اللقاء.. ؟ السؤال الذي لا يفكر الطرف الآخر في الجواب عليه هو الذي يجعل مثل هذه المؤتمرات تعباً في باطل.

25 / 1 / 2004