برق
الشرق
دمنا
المسفوك لا يؤلم
بعكس
كل التوقعات الدولية والإقليمية التي
قدرت أن الحرب على العراق، واسترضاء
الأنظمة العربية المطالَبَة
بالانخراط فيها، بشكل أو بآخر، ستقتضي
أمراً أمريكياً إلى شارون بالتهدئة
المناسبة في فلسطين المحتلة؛ فإن الشر
الشاروني قد استطار، والعربدة
الصهيونية على أهلنا العزل قد تجاوزت
كل حدود.
من
لوازم نشرات الأخبار الصباحية، أن
تحمل إليك أنباء القتل والهدم الذي تم
على أيدي عصابات (بوش ـ شارون) في
الليل، ومن لوازم النشرات المسائية أن
تخبرك عن أعداد أخرى من ضحايا الإرهاب (الأمريكي
ـ الصهيوني) في النهار. وعليك أن تستقبل
هذه الأنباء مع صبوحك وغبوقك، بلا
مبالاة مطلقة، أو بحس رسمي عربي ينطلق
من (القصور الجمهورية) يحدثك عن خيار
استراتيجي وحيد يتجسد في (السلام
العادل والدائم)، ثم لا ينسى أن ينحو
ببعض اللوم على رجال المقاومة
الفلسطينية (حماس) و(الجهاد) و(كتائب
الأقصى) الذين لا ينقادون لحكمة
الحكماء من الساسة العرب !!
عندما
نتحدث عن (الدم المسفوك) و(الألم) فنحن
لا نقصد بالطبع ألم (الرئيس بوش) ولا
ألم (إدارته) ولا ألم حتى (شعبه)، الذي
اعتبر السلعة والتلذذ بإنتاجها أو
استهلاكها الغاية الكبرى من الوجود؛
وإنما نقصد القيادات والنخب العربية
التي تُجرح مشاعرها الرهيفة جداً،
وتثار أحاسيسها المفعمة بالحيوية،
كلما ألم بالعدو ملمة في الشرق أو
الغرب، فتسارع إلى الاستنكار
والاستعظام، وتنادي بالويل والثبور،
ويعزف المثقفون للقادة سيمفونيات (الإنسانية
والإخاء والتسامح والحب) ليعينوهم على
تجاوز أزمة (الدم الآخر) الذي قد يسفكه
حجر صبي فلسطيني، أو ضربة مقلاع من
شريد هدم الاحتلال بيته.
أما
دمنا المسفوك فلا يستقبل إلا حيث
الموات في القلب والجسد، وما لجرح بميت
إيلام.
قليلاً من الغضب...
نظن
بعد كل هذا، أن قليلاً من الغضب أو (الحمق)
كما تقول العرب، ينفع، قليلاً من الغضب
يحضر القمة العربية المزمعة، إن عقدت،
يجعل الأمير عبد الله يسحب مبادرته،
ويجعل القادة العرب يسقطون خيار
السلام الاستراتيجي، وتعلن مصر أنها
في حالة حرب، فتغلق قناة السويس في وجه
حاملات الطائرات العابرة لذبحنا في
العراق، وليتحرك الجيش السوري لتحرير
أرضه في الجولان المحتل منذ ثلاثين
عاماً.
نقدر أن (مسرحية) كهذه ستنفع
على أكثر من صعيد، وسترسل رسالة إلى
أكثر من جهة، وهي على الأقل ستوفر
للأنظمة العربية التي فقدت كل مبررات
وجودها واستمرارها بعض هذه المبررات.
ومهما تكن نتائج حركة
مسرحية كهذه الحركة، فإنها ستكون أقل
كارثية من الوضع المأساوي الذي نعيشه
من المحيط إلى الخليج.
ستنقلب
المعادلة على أمريكا، وستجعلها في شغل
عن أمر العراق بما هو أشد سخونة منه،
وستجعل شارون يدرك أن لهذا (الطفل
المقتول) أو (البيت المهدوم) انتماء
بعيد المدى يغير سياسات العالم أجمع
عندما يقتضي الأمر ذلك، وسيجعل الجميع
يعيدون حساباتهم على أساس أن العرب
يمكن أن ييئسوا فيحبطوا فيغضبوا
فيفوتوا عليهم كل مقاصدهم، ويفشلوا كل
مخططاتهم.
وحتى
عندما ستكون النتائج على نحو ما جرى في
السابعة والستين، عندما أعلن عبد
الناصر إغلاق مضائق تيران، وطالب
برحيل القوات الدولية، في مسرحية
استعراضية مماثلة، وما نظن أن
السياقات الدولية ستسمح بذلك، فإننا
نقدر أننا سنكون قد نجحنا في توسيع
ميدان المعركة على شارون.
شارون
الذي عجز حتى الآن عن السيطرة على مربع
عربي صغير اسمه (الضفة الغربية)،
سيواجه حينها مربعاً عربياً كبيراً
سموه (الشرق الأوسط) وآخر إسلامياً
أكبر هو (الشرق الأوسط الكبير).
إلى
القادة العرب نهدي نداء أم كلثوم (إنما
للصبرد حدود) وننتظر منهم إهداءها بفعل
ميداني عملي (للرئيس بوش، ولإدارته
أجمعين).
21
/ 2 / 2003
|