الدولة
المتألهة
د.
محمد الحلبي
كلنا
شاهدنا ونشاهد على شاشات التلفزيون ،
الوحشية العراقية في التعامل مع أسرى
القوات الأمريكية والبريطانية ، وفي
ذبح جنود هذه القوات ... كلنا شاهدنا
ونشاهد كيف يتعامل الشعب العراقي (الناكر
للجميل) مع القوات الأمريكية
والبريطانية التي جاءت لتحريره .. جاءت
لتوزع الرحمة عليه .. جاءت لتوزع الحلوى
، وتضمد الجراح ، وتنشر السعادة والفرح
، جاءت لتعلمه كيف يكون متحضراً ، جاءت
لتعطيه الديمقراطية ، وتخلصه من
جلاديه ...إلخ إلخ ... وقائمة الرحمات
طويلة لدى الإدارة الأمريكية .
قرأت
في أحد الكتب عن جندي بريطاني يقول
لصديقه أيام الاحتلال البريطاني لإحدى
الدول الأفريقية :
حقاً .. إن هؤلاء الأفارقة متوحشون جداً ،
لقد عضني أحدهم بينما كنت أقتله !!.
لعل
هذا القول يغني عما أريد أن أعبر عنه ،
ولكنني أقول إننا شاهدنا شآبيب
الرحمات التي وعدت بها أمريكا الشعب
العراقي .. شاهدناها صباح مساء تنزل على
رؤوس هذا الشعب أطفالاً ونساءً
وشيوخاً فتسحقه دون أي رحمة .. رأينا
أمريكا تضرب محاطات الكهرباء والمياه
، ثم تمد خطاً للمياه لمن حرمتهم منها ..
رأينا أمريكا تقصف المدنين فتجرحهم
وتقتلهم ثم تتكرم عليهم بالعلاج ..
رأيناها تقصف مخازن الطعام في البصرة
ثم تحضر باخرة أغذية لمن جوعتهم وحرمت
أطفالهم الحليب والماء والغذاء
والدواء لتوزعها عليهم .. صوّرت الأسرى
وعاملتهم كالحيوانات جراً وسحباً ثم
تطلب احترام المعاهدات والمواثيق بحق
أسراها مع أنها لم تلتزم بأي منها .. فأي
وقاحة هذه ؟!.
إن
الازدواجية في تعامل أمريكا وبعض دول
العالم مع العالمين العربي والإسلامي
باتت واضحة لا لبس فيها إلا لمن يلبس
النظارات الأمريكية السوداء .. فقرار
الأمم المتحدة (أو ما يسمى بالشرعية
الدولية) يقول بنزع أسلحة الدمار
الشامل لكل الدول في الشرق الأوسط ،
ولكن هذا القرار يطبق فقط على الدول
العربية ، ويسمح لما يسمى بإسرائيل
بالاحتفاظ بأسلحة الدمار الشامل لديها
!!..
وقرارات
الأمم المتحدة (أو ما يسمى بالشرعية
الدولية) تطبق على العراق الذي كما
يقولون انتهك 17 قراراً لهذه الشرعية ،
ولا تطبق على ما يسمى بإسرائيل التي
انتهكت العشرات من قرارات هذه الشرعية
!!..
وأسرى
الحرب في أفغانستان من الطالبان
والمجاهدين العرب لا تعدهم أمريكا
أسرى حرب بل هم إرهابيون ، تعدّ لهم
الأقفاص في أقصى مجاهل العالم (غوانتانامو)
، أما المواطن الأمريكي الذي قُبض عليه
يقاتل مع طالبان فإنه لا يرسل إلى
غوانتانامو معهم ، بل يحاكم محاكمة
تليق به كمواطن أمريكي !!..
ويحق
لما يسمى بإسرائيل أن تهدم البيوت
وتقتل النساء والأطفال والشيوخ دون أي
وازع على مرأى ومسمع من كل الدنيا ، ولا
يحق للمجاهدين الفلسطينيين (الإرهابيين)
أن يدافعوا عن أنفسهم !!..
والعراق
الذي سمح للمفتشين بالدخول حتى إلى
مراحيض قصور الرئاسة يُضرب ويُقصف
بدعاوى باطلة ، وما يسمى بإسرائيل ترفض
حتى التوقيع على معاهدة حظر انتشار
الأسلحة النووية فضلاً على أن تسمح
لفرق التفتيش من الدخول إليها ، ولا
نجد من يعاقبها على عدم التزامها
بقرارات الشرعية الدولية ، أو عدم
التزامها بتدمير أسلحتها النووية !!..
ومقتل
واحد أو أكثر من اليهود (المغتصبين
لأرض فلسطين بناءً على قرارات الشرعية
الدولية) أمر يُقيم الدنيا ولا يُقعدها
، ولا تمر دقائق معدودة على مقتلهم حتى
يخرج الرئيس الأمريكي معبراً على
تعازيه لأسر الضحايا ، ومندداً بهولاء
القتلة الإرهابيين الذين يدافعون عن
أرضهم وعرضهم .. ولم نسمع الرئيس
الأمريكي مرّة يعبر عن تعازيه لآلاف
الفلسطينيين الذين مزقهم اليهود
المغتصبون وما زالوا يفعلون !!.. وفي
مجزرة جنين كان أقصى ما قاله الرئيس
الأمريكي :
"إن
(ما يسمى بـ) إسرائيل ربما تكون قد
بالغت في التصدي للفلسطينيين" !!..
والأمم
المتحدة أرادت أن ترسل لجنة للتحقيق في
المجزرة ولكن ما يسمى بإسرائيل لم تسمح
لهم حتى بالدخول ، وتم (لفلفت) القرار
القاضي بتشكيل هذه اللجنة !! ولو أن
دولة عربية لم تسمح لمثل هذه اللجنة
بالتحقيق في أي أمر ، فلربما شنت
الولايات المتحدة عفواً أقصد الأمم
المتحدة حرباً لا هوادة فيها عليها لأن
لم تنفذ قرارات (الشرعية الدولية) !!..
كلنا
سمعنا الرئيس الأمريكي يقول في حربه
على ما سماه بالإرهاب الإسلامي:
"إنها
حرب صليبية .. ".
فصدق
وهو الكذوب ، ولم تفلح محاولات
المفسرين لجملته هذه في إعطائها
بُعداً غير البُعد الذي أراده بوش لها
.. فقالوا :
"إن
جملته هذه عامة لا يقصد بها المعنى
الذي يفهمه المسلمون ، بل هي تعبير
يتردد عندنا كما تتردد كلمة الجهاد عند
المسلمين".
وكذبوا
بهذا التأؤيل ، لأنهم يعدّون من ينادي
بالجهاد من المسلمين متطرفاً ، فهل هذه
هي حال رئيسهم ؟!... نعم هذه هي حاله ،
تطرف ما بعده تطرف ، وتكبّر ما بعده
تكبّر .. يوشك الله تعالى بعظمته أن
يقصمه ودولته المتألهة ولا يبالي .
لقد
كانت الأمم المتحدة وشرعيتها المزعومة
وبالاً على الأمة الإسلامية منذ
نشأتها ، وهاهي الوقائع تلو الوقائع
تؤكد ذلك .. وهاهو أمينها العام يتصرف
كأنه موظف لدى الإدارة الأمريكية (وهو
بالفعل كذلك) .. هذا الأمين الذي لا
أمانة لديه ، كان أحد أعضاء اللجنة
المكلفة بالتحقيق في مجزرة قانا (التي
ارتكبها أحد الذين نالوا جائزة نوبل
للسلام) ، فكان الوحيد من بين كل
الأعضاء الذي كان تقريره عن المجزرة لا
يدين ما يسمى بإسرائيل !! ولهذا تمت
ترقيته من الولايات المتحدة التي
تسيطر على الأمم المتحدة ، وعينته
أمينا عاماً لهذه المنظمة الدولية ...
لأنه أثبت أنه الوحيد القادر على تمرير
مثل هذه المجازر في هذه المنظمة
الدولية.
متى
ستدرك الأنظمة العربية أن هذه المنظمة
الدولية (التي تقودها أمريكا) والتي
يدعونها من دون الله لتطبيق القوانين
بحق ما يسمى بإسرائيل لم ولن تعطيهم
إلا غرفة وتوابعها في رام الله ليسكن
فيها الرئيس المرتقب للدولة التي لن
تقوم إلا كما بشرنا بها رسولنا صلى
الله عليه وسلم ؟؟..
إننا
لم نرضَ بالشرعية الدولية (التي قصمتنا
وقسّمتنا وما تزال) إلا عندما تركنا
الشرعية الربانية التي أرادنا الله
سبحانه وتعالى أن نعتصم بها ، وأمرنا
رسوله صلى الله عليه وسلم أن نعض عليها
بالنواجذ .. فمتى سنعود إلى شرعتنا
الحقّة ؟.
إن
هذه الدولة المتألهة (أمريكا) التي
تُحلّ لنفسها كل شيء وتُحرم على غيرها
أي شيء سيكون مصيرها الزوال القريب
بمشيئة الله ، فهذه سُنّة الله فيما
مضى ممن طغى وبغى مثل فرعون وثمود وعاد
والاتحاد السوفيتي .. وغيرهم ، والأيام
دول ، والليالي حُبالى ، ونصر الله
قريب .. وإنا لمنتظرون
المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها |
|