برق
الشرق
الدفء
يعود للعلاقات السورية ـ التركية
بزيارة
رئيس الوزراء السوري مصطفى ميرو إلى
تركية تدخل العلاقة السورية ـ التركية
طوراً جديداً من (التطبيع) الحقيقي،
الذي انفصمت عراه منذ أواخر القرن
التاسع عشر ومطلع القرن العشرين،
والذي توج بتمزيق الأمة الواحدة تحت
شعارات (إثنية) تجاوزت العقائدي
والحضاري والفكري لترتبط بالمادي
والعصبي.
كانت
(الدولة الأمة) تعاني على جميع
المستويات: الفكرية والسياسية
والاجتماعية والاقتصادية، ولكن سبب
المعاناة لم يكن أبداً (إثنياً) كما
حاول البعض أن يوهم نفسه، مردداً مقولة
المتنبي المغرقة في البداوة والعصبية (ولا
تفلح عرب ملوكها عجم..)
بل
إن الانقلاب على (الدولة الأمة) طال حتى
العصبة الحاكمة (العثمانيون)، وتزعم
هذا الانقلاب قادة إثنيون (طورانيون)
ساقوا الأمة أجمع بتأثير الفعل ورد
الفعل إلى خنادق ضيقة، وضربوا أبناءها
بعضهم ببعض ووظفوا حالة الشرذمة هذه،
بعلم أو بجهل، لمصلحة أصحاب المشروع
الخارجي بكل أبعاده.
ننظر
بإيجابية كبيرة إلى عودة الدفء إلى
العلاقة السورية ـ التركية، مؤكدين
على ضرورة أن ترتكز هذه العلاقة على
أسسها العقائدية والثقافية
والتاريخية في مسعى استراتيجي لرسم
أبعاد الوجود الحضاري بعيد المدى. كما
نتوقع أن يقوم الجميع، المفكرون
والحكومات بمراجعة شمولية لنظريات
ومواقف وسياسات وثقافات أثمرت في
حياتنا العامة ما نعيشه اليوم من وهن
وهوان.
حين
نؤكد في عقيدتنا الاستراتيجية أن
تركية بكل إمكاناتها الجغرافية
والديموغرافية، وبثقلها العام، يمكن
أن تكون عمقاً استراتيجياً، ليس فقط
لسورية، وإنما لسورية والعراق وفلسطين
أيضاً. بل الأولى أن نقول إنه عمق
استراتيجي متبادل بين أبناء الأمة
يعضد بعضهم بعضاً، ويتماهى حتى يصل
بالأمة إلى حالة الوحدة الحقيقية
والمطلقة.
حين
نجعل من أهدافنا الاستراتيجية أن نلتف
على العلاقة (التركية ـ الإسرائيلية)،
ونضع حداً لكل التشوهات التاريخية
التي أثمرت هذه العلاقة الخداج
واستدعتها.. فستكون مراجعتنا
التاريخية السياسية قد بدأت السير في
الطريق الطبيعي الواعد.
تركية
وإيران ومن ورائهما باكستان والهند
وإندونيسيا وماليزيا وجمهوريات
الاتحاد السوفياتي هذه الواحة
الكبيرة، الممتدة جغرافياً من طنجة
حتى جاكرتا، ينبغي أن تنتظم في نسق
حضاري واحد، ترود مشروعاً حضارياً،
يحمي حقيقة الأمة، ويصون جوهرها،
وينطلق برسالتها (الرحمة) المهداة
للعالمين.
نتمنى
ألا يكون التقارب (السوري ـ التركي)
سحابة صيف، أو ظل شجرة يلجأ إليه قلق
مجهد أو متعب. وأن يكون الذين ينسجون
العلاقة من الفريقين على مستوى
المسؤولية التاريخية والحضارية
ليؤسسوا لعلاقة صلبة الأساس، بعيدة
الآفاق، رحبة المدى.
بغض
النظر عن تداعيات الأمس القريب،
وهناته وآلامه تبقى العقيدة بكل
نقائها، والتاريخ بكل زهوه، والحضارة
بكل عظمتها منطلقاً لرؤية الغد الواعد
بإذن الله.
02/08/2003
|