صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الجمعة 23 - 05 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

رؤية

برق الشرق

الفيتو الأمريكي على الديمقراطية في العالم الإسلامي

(المخرج)

الولايات المتحدة لا تستخدم الفيتو في مجلس الأمن فقط. وإنما تستخدمه أيضاً في مدخلاتها السياسية لإحكام السيطرة على العالم الإسلامي، ولحجب الإسلام، وإقصاء الإسلاميين ليس عن السلطة فقط، بل عن مواقع التأثير الفكري والمدني أيضاً.

خلال قرن مضى أنشأ الغرب ومن ثم الولايات المتحدة ثالوثاً غير مقدس لطمر الإسلام والإسلاميين في المطامير، وفي المقابر الجماعية التي تضم رفات الأموات وبقايا الأحياء الذين يعيشون في ظل أنظمة الاستبداد في المنطقة، ممن لا يؤمنون بالمشروع الغربي، ويعتدون بوجودهم الحضاري، وذاتيتهم الفكرية والثقافية. ولقد ضم هذا الثالوث الولايات المتحدة بوصفها المرشد الأعلى والراعي ومانح الغطاء والبركة، وسلطة الاستبداد السياسي على تباين بين مدارس هذه السلطة، والنخب المثقفة المستغربة بالمفهوم المطلق للاستغراب، والذي يعني التخلي عن الخصوصية الذاتية بآفاقها الحضارية المنفتحة، والعمل على هدمها وتوهين مرتكزاتها وبالتالي التبشير بالمشروع (الغربي).

الإخفاق الذي مني به المشروع الغربي، الذي استحال منذ /1990/ أي منذ انتهاء الحرب الباردة إلى مشروع أمريكي، جعل الولايات المتحدة تعيد النظر في حلفها مع (الاستبداد) القائم على القمع والقوة العسكرية، ودفعها مرة أخرى إلى رفع شعار (الديمقراطية) المشتقة من الرغبة الأمريكية في توسيد أمر المنطقة إلى عملاء مباشرين يأتمرون بأمر الإدارة الأمريكية، وينفذون مخططاتها.

خيار الولايات المتحدة بين نتائج حقيقية للديمقراطية في المنطقة، وبين السلطة المستبدة الموشحة بالمقابر الجماعية مايزال محسوماً لمصلحة الآخرين. تعمل الإدارة الأمريكية بعد ضربتها في العراق، حيث خلعت قلوب من استهدفت من الحكام، على عزل مطالبها من هؤلاء الحكام، والتأكيد عليها، مقابل إطلاق أيديهم في أديم شعوبهم التي تستحق التنكيل لأنها ماتزال تصر على أنها موجودة متميزة بخصوصية وغير قابلة للانحلال في كأس الكولا الأمريكية.

في واشنطن بوست 19/5/2003 يكتب (جاكسون ديل) (لو أجريت مسحاً للمثقفين العلمانيين المؤيدين للغرب في مصر حول آمال حكومة بوش في دمقرطة الشرق الأوسط فسوف تنفجر مرارتك. فهم يقولون إن مثل هذا التحول غير محتمل، وإذا حدث فإن المتطرفين الإسلاميين سيصلون إلى السلطة) !!

وهكذا يتحالف المثقفون العلمانيون، مع المستبد السلطوي، لتحذير الولايات المتحدة من إطلاق مشروع ديمقراطي حقيقي في المنطقة، مع أن الولايات المتحدة غير محتاجة إلى هذا التحذير.

(المتطرفون الإسلاميون) الذين يشير إليهم المقال، ليسوا من وقود المشروع الإسلامي العنيف، الذي آلت إمرته إلى قيادة عالمية يتزعمها ابن لادن وتنظيم القاعدة. فهؤلاء المعبرون عن اليأس والإحباط والانفعال لا يمثلون في خضم الوجود الحضاري المدني للقوى الإسلامية إلا نزراً لا يقترب من رقم تعبيري. وظاهرة (منبتة) مثل هذه ستزول مباشرة عندما تسير أزمات المنطقة المستغلقة منذ قرن إلى حلحلة عادلة، وعندما تجد إرادة الأمة المسلمة منافذها إلى التعبير.

(المتطرفون الإسلاميون) الذين يشير إليهم المقال هم جسم الأمة الحقيقي، المتمثل في الشريحة الأكبر من أبنائها، في أب مستعد للتضحية من أجل أبنائه، وفي أم تعتبر الأمومة مهمة مقدسة أقوم من الجري وراء الشهرة والسلعة، وفي امرأة تعتقد أن جمالها وجلالها في طهرها، في مثقفين: أساتذة وكتاب وأدباء وأطباء ومهندسين ومحامين وقضاة وطلاب، وفي منتجين: اقتصاديين ورجال أعمال وتجار وعمال وفلاحين، في حضارة أمة ناطقة تواجه بين نظرة الإسلام إلى الإنسان والكون والحياة، وبين نظرة الرأسمالية التي تلح على تشييء الإنسان والقيم، وتعلي من شأن السلعة وتؤز في هوس المتعة والاستهلاك.

الإدارة الأمريكية المحاصرة ( بفتح الصاد وكسرها) في حدية موقف (من ليس معي فهو ضدي) أو من كان يحب الديمقراطية والحرية (فليصطف خلفي) لن تقود إلا إلى المزيد من الاستقطاب والحدة والانفعال، والإبحار في لجج من سوء الفهم، وسوء التعاطي على حد سواء.

ومعركة الولايات المتحدة مع شعوب المنطقة ستكون أصعب وأعسر من معركتها مع الاتحاد  السوفييتي المنهار، ولن تسير ربما إلى النهاية التي تريد الولايات المتحدة !!

وفي الوقت نفسه سيجد المفكرون والعقلاء تقاطعات إنسانية ومادية تجمع بين أبناء الحضارات أكثر مما يتصور (المتشنجون) من الطرفين. وسينجحون في عمليات تجسير كثير من الفجوات، وسيحسنون التعاطي بالتالي في حسم بعض ما يختلف عليه بالحسنى.

تكسير الرؤوس، أو تكسير العظام، أو تكسير الإرادات، كل تلك الاستراتيجيات أثبتت على الأيام أنها حركة في العماء. وسداية الشر بين الفعل ورد الفعل، بغض النظر عن المقولات المزخرفة والادعاءات ؛ لن تنتج للإنسانية إلا المزيد من الكراهية والقسوة وسفك الدماء.

إذا كانت الولايات المتحدة تريد الديمقراطية في المنطقة العربية والإسلامية فعليها أن تسمح بقيام ديمقراطية حقيقة. وأن تكف، فعل أنظمة الاستبداد في عالمنا، عن الخوض المسبق في لعبة الحسابات. بينما المطلوب من شعوب المنطقة، ومن قواها الحية الارتقاء الفعلي في مدارج الخطاب.

23 / 5 / 2003السابق

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ