آخر تحديث يوم الثلاثاء 30 - 03 - 2004م

.....

اغتيال الشيخ أحمد ياسين

مزيد من الكراهية.. مزيد من العنف.. قليل من الأمل

لا نظن أن المشاعر البيض أو السود تصنع سياسية، أو تدخل في حسابات الفاعل السياسي الرشيد. ومع ذلك فلم يكن اغتيال الشيخ أحمد ياسين، بالنسبة لشارون، إلا تعبيراً عن حزمة من المشاعر المريضة، رُصدت في تصرفاته، منذ شبابه، حيث نحي أكثر من مرة عن مواقعه الرسمية لأسباب تتعلق بالرعونة والطيش واللامسؤولية، ولم تكن مذابح صبرا وشاتيلا المرة الأولى التي يدان فيها شارون، ولا الأخيرة.

على الطرف الآخر، أحدث اغتيال الشيخ أحمد ياسين موجة عارمة من الغضب والاحتقان، وولد الكثير من الكراهية، كان المأتم في كل بيت على امتداد الخارطة الإسلامية من طنجة إلى جاكرتا.. أجهشت النساء، ومازجت الدمعة لقمة الأطفال، ووارى الرجال وجوههم حياء من مرآة لم يعودوا قادرين على النظر فيها.

مما زاد من حجم الكارثة، ومأساوية الحدث، وكثف سحب الكراهية الموقف الأمريكي الرسمي.. لم تفلح كوندليزا في إقناع المخاطبين أن الإدارة الأمريكية لم تكن على تنسيق، وليس علم، فقط مع شارون.. كما أنها كانت كالحة أكثر وهي تؤكد أن إدارتها تنظر إلى العملية في إطار الدفاع عن النفس.. وأن أحمد ياسين مصنف في جملة الإرهابيين. وجاء الفيتو الأمريكي في الاعتراض على إدانة العملية صارخاً، إلى حد جعل البلهاء وحدهم يصدقون أن حرب الرئيس بوش هي على الإرهاب، وليست على الإسلام، وعلى الإرهابيين وليست على المسلمين !!

فالشيخ أحمد ياسين، باعتداله، وإن بدا للرئيس بوش متشدداً ليس رمزاً فقط، وإنما هو نافذة للنور في عصر الظلمات. ولقد نجح الفيتو الأمريكي الأخير في أن يوحد في مخيلة الإنسان المسلم بين شخصين (شارون ـ والرئيس الأمريكي)، وليس بين شارون وبوش فقط. وهي مزلقة سيكون من العسير جداً الارتقاء منها.

الشارع العربي الغاضب، ينتظر رد فعل حماس والجهاد والمقاومين الآخرين. الصدور مكبوتة وتسمع هنا أقاصيص كثيرة تدور في الخيال الشعبي عن صور الانتقام.

شيوخ وعجائز يتمنون ويتمنين أن تتاح لهم الفرصة لينخرطوا في (اللعبة ـ المأساة). أو أن يتشرفوا بأن يكون لأولادهم الشباب دور في الثأر للشيخ المقعد على كرسيه المتحرك.

الشباب والصبايا لهيب وضرام. أصبح الموت أملاً، وليست الحياة. وكوندليزا رايس أفلحت في تعزيز الرؤية التي تقول أن العدو الحقيقي هناك، وليس هنا في فلسطين. والأصوات التي تطايرت بتوسيع رقعة الانتقام خارج الأرض الفلسطينية قد لا تكون ردود فعل آنية فقط، وهي بذلك تعني فشلاً إنسانياً ودولياً حاداً وإشاعة للمزيد من حالات الخوف والقلق وعدم الاستقرار. من المؤكد أن الرئيس بوش قادر على قبول التحدي، ولكن من المؤكد أيضاً أن تحدياً كهذا ليس من مصلحة أحد.

أجزاء الكرسي المبعثرة فعلت فعلها في إثارة الغضب، والقتل على باب المسجد وبعد صلاة الفجر، كانت له قراءات أخرى ولا سيما أن شارون قد تمدح بأنه أشرف على العملية بنفسه، وأن الإدارة الأمريكية قد باركتها.

اعتقاد الإدارة الأمريكية أن المزيد من العنف والمزيد من القهر يكسر الإرادة ينبغي أن يحال إلى علماء الانثربولوجيا، وإلى علماء الاجتماع وليس إلى رجال الـ ( C I A   ). وأن يحال إليهم أيضاً أن استطلاعاً للرأي أكد أن خمسة وعشرين بالمئة من شباب وصبايا فلسطين بين التاسعة والسابعة عشر يحلمون بأن يكونوا استشهاديين، ذاك الاستطلاع كان قبل استشهاد الشيخ أحمد ياسين، أما بعده فنظن أن من واجب المتابعين أن يفسروا دلالات التسميات المتصاعدة للمواليد باسم الشيخ الشهيد (أحمد ياسين).

الفعل الشاروني غذى شجرة الكراهية، وأشعل نار الغضب، وأغلق نوافذ الأمل ثم جاء الفيتو الأمريكي ليؤكد لشعوب المنطقة أن لا أمل في اللقاء.

30 / 3 / 2004