عندما
ينشغل صانع السياسة
بالتنظير
!!
السياسيون
ضربان منظرون وممارسون. والمنظرون هم
نخبة انغمست في العلم والفكر، وانطلقت
تكتب وتبين تقترح وتُنظِّر.. قليل من
رجال الفكر السياسي، أو من منظري
السياسة، يصلون إلى موقع ممارستها،
وهم إن وصلوا قلما ينجحون في تحويل
أفكارهم ورؤاهم إلى واقع..
والضرب
الثاني من السياسيين هم الممارسون، أو
رجال السلطة، وأصحاب القرار. وغالباً
ما لا يكون حظ هؤلاء من النظر السياسي
ذا بال. فهم بعيدون كل البعد عن عالم
الأفكار، وأكثر التصاقاً بعالم الواقع
المادي. فأكثر القادة الثوريين في
عالمنا العربي وصلوا إلى السلطة عن
طريق البدلة الكاكي والدبابة.. كما أن
أكثر الرؤساء في الولايات المتحدة
وصلوا إلى السلطة عن طريق رأس المال أو
الشهرة ولو كانت شهرة تمثيل كما في
حالة الرئيس ريغان. معضلة قديمة أن
المفكر السياسي قلما يمارس السياسة،
وأن رجل السياسة قلما يحيط بتاريخ
الأفكار وأبعاد النظريات.
في
أجواء العمل السياسي سيكون طبيعياً أن
تسمع من المفكر السياسي، ومن العامل
السياسي خارج إطار السلطة، ومن موقع
المعارضة تسويقاً وتشويقاً للأفكار،
وإلحاحاً على المطالبات، وتقديماً
لمشروعات يظن فيها صاحبها الحل
للمشكلات، والمخرج من الأزمات أو
الارتقاء إلى الأسمى والأفضل.
نفاجأ
في عصر العجز والانسداد الذي تعاني منه
أمتنا على أيدي حكامها، أن هؤلاء
الحكام: رؤساء ووزراء ومسؤولين بعد أن
أحاط بهم عجزهم وضعفهم، قد تحولوا من
موقع الفعل والإنجاز إلى موقع التنظير
والطرح والتزيين !!
فهذا
رئيس وذاك وزير وثالث مدير يحدثك كل
واحد منهم عما يجب أن يكون عليه الأمر
في دولته أو في وزارته أو في دائرته.. !!
ظاناً أنه بذلك يخلي نفسه من مسؤولية
ويظهر بمظهر المثقف أو المتفهم، وما
يدري هذا المسكين أنه بتصرفه هذا يقر
على نفسه بالعجز والقصور، ويدين نفسه
من حيث يريد أن يدافع عنها.
تنظير
السياسة، وتشقيق الكلام، والتفنن في
عرض الأفكار إنما هو عمل مفكر، أو
معارض حيل بينه وبين الحقل ليضرب
بمعوله الأرض.
أما
الذين استبدوا بدائرة الفعل،
واستأثروا بأدواته، ورأوا في أنفسهم
الكفاءة المطلقة للقيام بحقه.. فإن
انغماسهم في سياسة القول دون الفعل هو
هروب من تحمل المسؤولية، وانشغال بما
لا يجدي، وتضييع للأمانة التي تحملوا.
الأمة ليست بحاجة
إلى سلطة تنفيذية ـ تأمل التسمية ـ
تنادي بما يجب أن يكون، وإنما هي بحاجة
إلى سلطة تصنع ما يجب أن يكون.
رضي
الله عن ثالث الراشدين عثمان بن عفان
حين رقي المنبر يوم ولايته فقال: أنتم
إلى أمير فعال أحوج منكم إلى أمير
قوال، ثم نزل.
نعم
نحن بحاجة إلى المسؤول الفعال المنجز،
ولسنا بحاجة إلى مسؤول ينضم إلينا في
الشكوى، ويضع توقيعه مع توقيعنا على
عرائض الإصلاح، أو يبارينا في كتابة
المقالات عن طرق الخلاص.
7
/ 4 / 2004
|