آخر تحديث يوم الأربعاء 09 - 07 - 2003م

.....

برق الشرق

الفرد والمجتمع .. مَن يخدم مَن

(.. إذن هل نستطيع بعد ذا أن نعكس الشعار الذي عطل فاعليتنا كأفراد لنقول بأنه لم يعد من المفروض أن يكون الفرد في خدمة المجتمع، وإنما على العكس من ذلك، على المجتمع أن يخدم الفرد في هذا المجال. فإذا كان الفرد في خدمة المجتمع ستكون لدينا دولة مرعبة وهذا هو أعظم ما يهدد العالم في هذه الأوقات فما هو خير لشخص قد يكون الشر لآخر..)

الكلام السابق مقتبس من عمود تحت عنوان (هكذا وكذلك) نشر في البعث 7/5/2003 للأستاذ (نبيل الصالح). ومع أن العمود ارتكز في أساسه على رؤية صائبة ومطلب نبيل بضرورة أن يكون للأبناء تجربتهم المتميزة عن تجربة الآباء. وأن الرأي الصائب هو الذي يجب أن يقود الدولة والمجتمع، وأن الرأي الصائب ليس حكراً على جماعة أو تجمع أو حزب دون غيره. فإن خاتمة ما صار إليه الأستاذ نبيل صالح يمثل حالة من انقلاب المواقف والمفاهيم تجعلنا دائماً في تذبذب مستمر بين الأبيض والأسود بين الشيء ونقيضه في حالة من التلقي غير المستقر وإنما الانفعالي الذي لا يدري صاحبه ما يأخذ وما يدع.

إن أول الخلل في هذا الطرح يتمثل في التردد الكلاسيكي بين الثنائيات الجاهزة، دون إعمال العقل للبحث عن الأقرب والأيسر والأجدى بعيداً عن القطبين المستحوذين على التفكير، واللذان يشد بينهما وتر ما يدعى بالمعرفة.

طرحت في الأربعين عاماً الماضية في قطرنا الاشتراكية عقيدة ومنهجاً على الصعيد النظري فقط، كان المطلوب أن يتقدم المجتمع ليلعب دوره في محو الفرد وهضم حقوقه لتظهير كل ملامح خصوصيته لمصلحة المجتمع !!

لا نزعم أن الاشتراكية قد طبقت في قطرنا على نحو ما، جيد أو سيء، كل الذي طبق من (الاشتراكية) هو عملية استيلاء على ثروات بعض الأفراد وتحويلها إلى آخرين. كما كانت مؤسسات القطاع العام المختلفة مداخل لامتصاص الثروة الوطنية.

لم نكن في قطرنا نسير حقيقة باتجاه المجتمع، فبينما كانت الشعارات تؤشر في هذا الاتجاه، كانت الممارسات تسير في الاتجاه الآخر، وهذا ما أوجد حالة من الفوضى والاضطراب. لسنا اشتراكيين ولكن لا يجوز أن تحسب تلك الممارسات على الاشتراكية. وهكذا نمت في ظل هذا الواقع المضطرب طبقة من الطفيلية الرأسمالية تفوق في جشعها وفسادها كل ما في عالم الرأسمالية الحقيقية.

توجهنا المفترض للإصلاح لا يعني أن نقفز من ظهر حصان إلى ظهر حصان آخر، وإدراكنا لخطأ ما وصلنا إليه، لا يعني أن الصواب في نقيضه.

الرؤية العلمية الواعية المستنيرة تقتضي وقفة أعمق مع الذات ومع الواقع ومع الثقافة والحضارة. وثنائية: الفرد والمجتمع ليست علينا ضربة لازب.

في رؤيتنا الحضارية الإسلامية يتعانق الفرد والمجتمع، وينجدل الأفراد في المجتمع جديلة قوية متلاحمة، لكل شعرة في هذه الجديلة منبتها وخصوصيتها ومكانتها. في هذا التصور الحضاري يتحمل المجتمع عبء الفرد ويحميه ويعينه طالما كان الفرد في حاجة المجتمع، ويرتكز المجتمع على الركائز من أفراده الصالحين القادرين في حركة متكافلة متضامة كل من فيها يعين ويعان.

العودة إلى الرؤية الحضارية الذاتية في النظرة إلى دارات (الفرد) و(المجتمع) و(الدولة) ستفتح لنا آفاقاً لرؤية حضارية أكثر خصباً وتميزاً ونقاء.

لسنا ضد الاستفادة من تجارب الآخرين، ولا نعاني من حالة انغلاق لا تسمح لنا أن نميز بين الخير والشر، ولكننا ندرك أن الإغراق في الفردية هو داء المنهج الرأسمالي، والسوس الذي ينخر كيانه، ولعله إذ يتداعى، بعد قليل، كما تداعت (الشيوعية)، نعود لنعيب ما استحسناه ولنستبدل ما اخترناه. إن الأمم الحية تتوقف طويلاً عند استيراد الأفكار أكثر مما تفعل عند استيراد الأزياء.

9 / 7 / 2003