برق
الشرق
وطن
هان على أهله
يروي
أحد المؤرخين المصريين في أحد كتبه،
أنه زار الآغاخان الراحل في
الثلاثينات من القرن الماضي، فجلس إلى
رجل ممتلئ علماً وثقافة وفهماً، طليق
اللسان بأكثر من خمس لغات عالمية، يعيش
الحضارة والسياسة والثقافة بكل
أبعادها. يقول الأستاذ المؤرخ كنت كلما
جاذبته طرفاً من فن أو علم وجدته واسع
الاطلاع بعيد الغور.. حتى آذنت الجلسة
على النهاية، وهممت بالانصراف، وفي
نفسي سؤال استحييت منه ثم أطمعتني
الدماثة والثقافة فاستأذنت في طرح
سؤالي فأذن ورحب، فقلت يا سيدي أنت كما
أرى علماً وفهماً وثقافة فكيف ترضى
لأتباعك أن يعبدوك من دون الله ؟! (الشائع
عن فرقة الإسماعيلية أنهم يؤمنون
بحلول الله سبحانه في أئمتهم !! ) يقول
الأستاذ المؤرخ، لم ينزعج المسؤول من
السؤال، وإنما ضحك ضحكة لا مبالية وقال:
يا أخي إن الناس في الهند يقدسون البقر
أفما ترى أني خير من البقر ؟!!
تعود
الخطاب السياسي والثقافي العربي أن
يلقي اللوم دائماً على الأعلى، صاحب
السلطة أو السلطان أو الكرسي أو
المنصب، كما تعود على تمجيد شعوب نامت
عن حقوقها، ورضيت بالدون، اثاقلت إلى
الأرض، وفرحت بالفتات.
يشيد
الناس بالثورة الفرنسية ولكن أحداً لا
يفكر بالتضحيات التي قدمها الفرنسيون
للتخلص من ملك كان يقول على رؤوس
الأشهاد (أنا الدولة..)، كما أن الناس
تتناسى (الباستيل) وما كان فيه،
والمقاصل وما جزت من رقاب.. ويتمجد
آخرون بحرب الاستقلال الأمريكية
ولكنهم عاجزون عن استيعاب المعاناة
التي عاناها الشعب الأمريكي ليصنع
استقلاله وينجز تحرره!!
إن
حاكماً لم ينزل قط في تاريخ البشرية من
السماء، كل الحكام نبتوا من الأرض،
فمنهم من وصل إلى موقعه بما فوض إليه
شعبه، فكانت قوته منه وله. ومنهم من
انتزع سلطانه وسلطته بنابه ومخلبه،
فما يتنازل عن شيء مما امتلك أو اكتسب
إلا بمثل ما امتلك واكتسب. وهو إذ يظن
نفسه مالكاً للهواء والشمس والزمان
والمكان، يجد في جرعة هواء يملأ
المواطن منها رئتيه لنفسه في ذلك منة
وفضلاً.
أوطاننا
التي نام إنسانها، إلا قليلاً، على
الهوان وارتضى به، أطمعت فيها من هب
ودب، حتى الحاكم ذو المخلب والناب وقع
لعجز من يليه في قوس طمع الطامعين، فهم
إذ رأوا أن ليس خلفه من يدفع عنه الشر
مهما اشتد واستطار، وضعوا لأنفسهم
منهجاً بأنهم أولى باستفراغ كفة هذه
الشعوب، المنهكة، وترويضها كما يروض
صاحب السيرك أوالفه الطيعة.
حين
كسر صاحب المخلب والناب من بني جلدتنا
شعبه، لم يدر أنه كسر سيفه. وحين نام
إنساننا على الضعة والذلة والهوان لم
يدر أنه وضع نفسه في مقام الهزيلة التي
يسومها كل مفلس.
وهكذا
هانت الأوطان على أهلها وهم يرونها أقل
مكانة وأبخس قدراً من أن يجاهدوا من
أجلها، أو يضحوا في سبيلها، وتركوها
سائبة سائغة.. يساوم عليها من لا يريد
منها أكثر من مرتفع يعلو عليه، ولو كان
هذا المرتفع..
الشعوب
المسترخية، والنخب الرخوة تنتظر حاكما
ينزل عليها من السماء يحمل إليها حلمها
في الديمقراطية والحرية والتنمية ورغد
العيش. وعلى الذين ينتظرون عودة الذي
يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً أن
يتيقنوا أن هذا الغائب المنتظر لن يظهر
إلا في قوم يستحقهم ويستحقونه وتلك هي
بوابة التغيير.
6
/ 7 / 2003
|