برق
الشرق
هل
يلتقي المتنورون ؟!
قرن
مضى، هو في الميزان الحضاري الإنساني،
قرون أو دهور، ومشروعنا النهضوي
العربي يراوح على عتبات التخلف
والتبعية. قد قضى على كل أمل فيه
الاستبداد السياسي، الذي سيطر على
ضمير الأمة وعقلها ومفاصل القوة فيها،
وبذل كل جهده ليخرجها من جلدها،
ويحرفها عن ذاتها.
ولقد
استعان هذا الاستبداد المدجج بالقوة
والسلطة، مع الأسف، بطبقة من (أدعياء
التنوير) الذي نصبوا أنفسهم أوصياء على
فكر الأمة وثقافتها والصواب والخطأ
فيها، آمنوا بالاستئصال والإقصاء،
وشمخوا كبراً في فراغ، وتعالوا على
الحقيقة، ونبذوا مرتكزات الأمة،
وتحدوا مرتكزات إسنادها، وساندوا
المستبد، وسندوا ضعفهم إليه، فهاموا
في بيدائه يسوغون جرائمه ويزينون
خطاياه، وفرحوا بمقعدهم منه، حين
أمسكوا بسلطة الكلمة كما أمسك هو بسلطة
القرار، وتعاونوا معاً على نصب
المشانق، وبناء المطامير والزنازين،
وتشريد الأحرار.
وأدوا
الكلمة ومنعوا الكتابة وحاربوا
الكتاب، وصالوا وجالوا ما وسعهم
الميدان، وحيدين في الساحة مزورين
للشعارات بزخرف القول، وزَبد الكلام،
فإذا كل واحد منهم إذا انتشى الأول حين
قال (... ما أريكم إلا ما أرى..)
ثم
لم يلبثوا أن ردوا على أعقابهم، بعد أن
رأوا السراب الذي قادوا الأمة إليه،
والتيه الذي ضربوه عليها قرناً
طويلاً، أن عادوا يتباكون على الحرية
والديمقراطية، ويعيدون ويبدئون
بالحديث عن حقوق الإنسان الذي
امتهنوه، وعن التحرر الذي أضاعوه. لم
تغنهم تجربة قرن مرة هي من كسب أيديهم
في ميدان الاعتبار شيئاً فلم يراجعوا
موقفاً، ولم يتأملوا في منطلق، لم
تقنعهم الوهدة التي قادوا الأمة إليها
بضلال مبداهم ومنتهاهم، وهم فيما
اقترفوا أو شاركوا في اقترافه مازالوا
يلقون العبء على غيرهم، والمسؤولية
على سواهم في تبجح غير مسبوق، وادعاء
مستنكر مموج.
المثقفون
الخلص من أبناء الأمة، على اختلاف
الرؤى أو الانتماءات، قد أجمعوا أو هم
على كلمة سواء هي أن لابد لأبناء
الأمة، وأبناء الوطن من لقاء، يتجاوز
الماضي ويتطلع إلى المستقبل، ويبدأ
بالتعارف من غير استئثار للمعرفة، أو
احتكار للصواب، أو ظن من يظن أنه
المالك الوحيد للحقيقة، والوصي عليها.
أدعياء
التنوير.. قادوا الأمة إلى ما هي فيه،
وهم اليوم بإصرارهم على (الادعاء)
والاستعلاء لا يزيدونها إلا خبالاً.
المتنورون
الحقيقيون من أبناء الأمة مدعوون
أولاً إلى العودة لاكتشاف الذات،
ولاكتشاف ما يجمع الفرد بالفرد،
والجماعة بالجماعة والحاكم بالمحكوم،
هذا هو طريق اللقاء وطريق البناء لمن
أراد أن يعتبر أن يستفيد.
20
/ 5 / 2003
|