برق
الشرق
الهجرة
..
من التأسيس إلى البناء
تطل
على المسلمين هذه الأيام بداية عام
هجري جديد، تحمل معها من ألق الهجرة
معاني التصميم والعزيمة والإرادة
والتسامي على نوازع المادة، وحب
الإخلاد إلى الأرض: الوطن والأهل
والعشيرة، كما تحمل معها الإشارة إلى
انتهاء مرحلة صعبة من عمر الدعوة
الإسلامية، هي مرحلة التأسيس، وبداية
مرحلة أصعب هي مرحلة البناء والإنجاز.
لا
ندري من ألقى في رُوْع أجيال أمتنا أن
سبيل الحياة رخية سهلة وهينة لينة، وأن
مفاوزها يمكن أن تقطع بغير جهد وجهاد
ونصب ومشقة!! ولا ندري من زين لأمتنا أن
المعالي يمكن أن تكون رخيصة، وأن ثمن
المجد يمكن أن يكون سهلاً، فبتنا
وأصبحنا، ونحن نتهرب من تحمل تبعاته
ودفع ضريبته، حتى غُلبنا على أمرنا،
وسامنا أعداؤنا الذل أفانين وألواناً
!!
وإذا
لم تكن لنا عبرة فيما صنع أجدادنا،
وفيما تحملوا من مشاق الحياة حتى ملأوا
العالم دعوة وعلماً ونبلاً وفضلاً،
ووصلوا بالإسلام إلى المشارق
والمغارب، وأقاموا حضارته بنياناً
شامخاً في ساحة العالمين؛ فهؤلاء
أعداؤنا اليوم، ينخلعون من كل ألوان
الرفاهية التي تقدمها إليهم مدنيتهم،
ثم ينفرون إلينا ليعتدوا على كرامتنا،
وينازعونا أرضنا وثرواتنا، ويحتملون
في سبيل باطلهم ما يحتملون، ونتقاعس عن
نصرة حقنا، فيدير كل واحد منا ظهره له،
وكأن أمر هذا الدين، أو هذه الأمة لا
يعنيه في شيء. وإن تعجب فعجب أحاديث
المثبطين والمرجفين والمتقاعسين،
الذين يزينون الذل والهوان، ويكثرون
اللوم والتثريب على العاملين
والمجاهدين.
أمة
تعد بمئات الملايين يجتمع قادتها وقد
ادلهم الخطب، فلا تجدهم قادرين على
كلمة (لا)، يطلقونها ولو في الهواء،
ونظنهم لو سئلوا لشكوا من شعوبهم ما
تشكوه هذه الشعوب منهم: وهن وخور
وسلبية وغثائية تذكرك بحديث القصعة
والسيل.
منذ
الجاهلية سأل شاعر عربي قومه:
ما
لي أراكم نياماً في بُلْهَنية
والبُلْهَنية:
هي الحالة التي نعيش، والداء الذي
أوردنا الموارد، الدعة والسكون إلى
المتاع، وحب الدنيا وكراهية الموت.
الهجرة
النبوية تعلمنا أن حياة الإنسان
المسلم، فرداً وجماعة، لا تعرف الدعة
والتواني والإخلاد إلى الأرض، وإنما
تعرف الجهد والجهاد، والانتقال من
مرحلة تأسيس إلى مرحلة بناء، ومن مرحلة
بناء إلى مرحلة إنجاز. وبين كل أولئك لا
بد من صبر ومصابرة تنتظم أيام الحياة،
ومن هنا كان الجهاد بمفهومه الرحب
الماضي إلى يوم القيامة بالنسبة
لأفراد الأمة وأجيالها جيلاً بعد جيل.
لا
بد من صبر آل ياسر وتضحيات مصعب بن عمير
وحمزة بن عبد المطلب ونسيبة الخزرجية
وجهاد أبي
عبيدة بن الجراح وعكرمة وخالد وأم
ملحان في ذات الصواري وأبي أيوب
الأنصاري في التسعين من عمره على أسوار
القسطنطينية ...
الهجرة
تعلمنا أن الحياة إنجاز لا يتوقف، وأن
الجد والجهد والجهاد هو شأن أمة
الإسلام حتى تبقى في مكانتها (خير أمة
أخرجت للناس)، وهو المقام الذي رشحها
للشهادة على العالمين.
5
/ 3 / 2003
|