آخر تحديث يوم الخميس 05 - 06 - 2003م

.....

برق الشرق

حزيران الذي أنجب حزيرانات

كل هذا الذي تعيشه الأمة من بؤس وانحلال قوة، وضياع هيبة وتشرذم قوى، كان وليد الخامس من حزيران 1967. اليوم الذي نقل العرب من الحديث عن الحق المغتصب (فلسطين)، إلى الحديث عن سلام مقابل أرض احتلت في السابعة والستين، وعن (أراض متصلة) لدولة فلسطينية، حسب عبارة بوش في شرم الشيخ في 3 حزيران 2003.

الأخطر والأشد إثارة للألم، أن أحداً حتى الآن لم يجب بطريقة رسمية وموضوعية ومقتنصة للعبر كيف حدث الذي حدث ومن الذي كان المسؤول ؟!

نحن الجيل الذي عايش أيام الحرب العصيبة نذكر المجريات ساعة فساع، لانزال نتذوق مرارة الادعاءات التي سبقت الحرب، والتي رددتها ألسنة مسؤولين كبار في سورية ومصر، كانوا في الموقع الأول للقرار، ومرارة البلاغات الواهية التي نطقت بها أجهزة إعلامنا الوطني، والتي كانت تمهر غالباً بتواقيع المسؤولين الكبار إياهم.

مرت العاصفة، ولم ترفأ الأمة جراحها بعد، فمازالت الجراح تسيل، ومازال السؤال مفتوحاً: كيف ؟ ومن ؟ أسئلة لو قدم المسؤولون عنها الجواب لأراحت ربما ضمير التاريخ. إن ما حدث على الجبهة السورية بشكل خاص، مايزال يشكل لغزاً أمام الذين يقرؤون الحدث (الحرب) استراتيجياً وتعبوياً. وخلال ستة وثلاثين عاماً عز الجواب والمجيب !!

كان سقوط الجولان أكثر فاجعة وهولاً وإثارة للتساؤلات عن المسبب والسبب، من سقوط بغداد المريع والمفاجئ الذي فجعت به الأمة منذ أيام !! فالكل أمام سقوط بغداد كان يدرك الاختلال البين في موازين القوى بين العراق وأعدائه، ولم يكن الأمر هكذا قط على الجبهة السورية، التي كان مقدراً لها لا أن تصمد فقط وإنما أن ترد الهجوم بآخر معاكس وأن تحقق انتصارات مقابلة على الطرف الآخر.

ولكي لا نستغرق بالحديث عن الماضي الحاضر الجاثم على صدورنا بكل تداعياته ومخرجاته السود، نعود إلى شرم الشيخ التي عقدت بحضور خمسة من الزعماء العرب مع الرئيس الأمريكي جورج بوش. حيث قيل إن الرئيس الأمريكي قد قرر المجيء إلى المنطقة ليقدم للأمة رؤاه الإيجابية حول القضايا الأساسية بعد الطعنة النافذة التي وجهها إلى ظهيرها العربي المسلم في العراق.

نأسف إذا قلنا إن الرئيس جورج بوش جاء إلى شرم  الشيخ ليستكمل عناصر حملته التي بدأها على العراق. وعلى الرغم من كل ما أخذ الرئيس بوش من هذه الأمة، جاء ليطالب بالمزيد وليقدم وعداً هشاً زئبقياً رجراجاً، يأمل فيه أن تسمح إسرائيل أو شارون بقيام دولة فلسطينية على (أراض متصلة) هكذا (أراض..) بالجمع والتنكير حسب ترجمة الوكالات المعتمدة.

ثم ليتلقى وعداً عربياً قاطعاً عبر عنه رئيس الدولة العربية الأكبر بمحاربة الإرهاب، والإرهاب في هذا السياق حسب المفهوم الأمريكي، مهما تكن دوافعه ومبرراته ولو كانت غزواً أو احتلالاً وإبادة جماعية وتطهيراً عرقياً. ثم وعداً آخر برفض ثقافة التطرف والعنف في أي شكل كان ومن أي مصدر وانطلاقاً من أي مكان بصرف النظر عن التبريرات والدوافع !!

الرئيس الأمريكي الذي يحلم بمنطقة عربية مسكونة بجيل متأمرك يكره عروبته وينخلع من إسلامه، وينخرط في إطار الثقافة الأمريكية ؛ لم يسمع مطالبة عربية واحدة رسمية أو نخبوية تلفت نظره إلى ضرورة فرض رقابة على مدخلات المنهاج التربوية في الولايات المتحدة التي تخرج للعالم رؤساء ممتلئين بالقسوة والكبر والتعالي والغطرسة يحتقرون الإنسانية في الإنسان، كما يتغذون على منابع تاريخية مغرضة تحرض على كراهية العرب والمسلمين. وتشارك في بث ثقافة الكراهية هذه آلة عصرية ضخمة من وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية المتعصبة، ومن حقهم أن يتعصبوا، ومراكز الدراسات السياسية والأكاديمية، وحتى هوليود وشريكاتها.

من حقنا فيما نظن أن نطالب بمحاربة سياسة التطرف والإرهاب والتجاوز على الآخرين.. إن الممارسات الإرهابية والعنصرية التي صدرت من مؤسسات ومنظمات وأفراد ضمن المجتمع الغربي فاقت في حدتها كل ردود الأفعال المحدودة التي مارستها شعوبنا تجاه العدوان على العراق. الذي يفاجئنا أن ممارساتهم تسمى حرية واحتجاجنا يسمى إرهاباً.

5 / 6 / 2003