برق
الشرق
الوجه
الآخر لاعتقال
إبراهيم
حميدي
الباطن
في الموقف السوري من العراق
كان
الوجه الأول لقضية الصحفي إبراهيم
حميدي هو الوجه الإنساني المدني
ومتعلقاته، ومن هذه الزاوية علق
الكثيرون على الموقف ونحن منهم وتمنوا
على الحكومة السورية أن تفرج عن / حميدي
/ لأسباب إنسانية ومهنية.
ولكن
الوجه الآخر للقضية هو متضمنات
التقرير الذي أرسله حميدي من دمشق إلى
جريدة الحياة، والذي تسبب في مأساته،
والذي غفل أو تغافل عنه الكثيرون.
التقرير الذي يحاول أن ينبش حقيقة
الموقف السوري من حرب محتملة على
العراق. وأن يتلمس بعض أبعاد الاتفاقات
السرية بين واشنطن وغير واشنطن من جهة
وبين دمشق من جهة أخرى.
إن
من يأخذ قطفة من ظاهر الأخبار المعلنة
من دمشق يقتنع بسهولة ويسر، أن سورية
ليست مع حرب ضد العراق، وربما تكون
كذلك، وأن سورية تبذل جهوداً
ديبلوماسية للحيلولة دون وقوعها، وأن
الرئيس السوري قد تحرك إلى لندن ومن ثم
إلى باريس، وإلى أكثر من جهة للتحذير
من عواقب وقوع مثل هذه الحرب.
ولكن
السؤال الجدير بالجواب، والذي حام
حوله تقرير حميدي، هو: ما هو الموقف
السوري عندما تكون الحرب حقيقة واقعة
؟؟ ماذا يمكن لسورية أن تفعل ؟ وفي أي
صف يمكن أن تقف ؟ تقرير حميدي يشير إلى
أن سورية بدأت الاستعدادات للتعامل
الإيجابي مع نتائج الحرب. ولكن ما هي
حقيقة هذه الاستعدادات ؟ وما هي
أبعادها ؟ وما هو سقف الإيجابيات
السورية في التعامل معها ؟
في
تصريح قريب لوزير الخارجية السوري
فاروق الشرع قال لصحيفة أوروبية: إننا
لن نقيم الحداد إذا سقط نظام الرئيس
صدام حسين. وفي هذا التصريح إشارة
واضحة إلى فك الارتباط بين سورية
والعراق بأبعاده العقائدية والقومية
والحزبية.
وفي
محاولة للتمهيد لتغيير العربة والحصان
على الطريقة التقليدية للنظام السوري،
كما فعل يوم انخرط في التحالف الأمريكي
مطلع التسعينات، بدأت الدندنات من
دمشق حول التمييز بين العراق الشعب
والعراق النظام، فسورية لن تكون معنية
بالدفاع عن النظام العراقي إذا ما
استهدف، وفي هذا المتكأ مخرج أدبي
للتخلي عن العراق في أزمته القادمة
أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.
إن
أحداً لا يستطيع أن ينسى أن حرباً
باردة ضروساً دارت بين (الرفاق ـ
الأعداء) طوال ثلاثة عقود وأن كثيراً
من صانعي القرار السوري وعلى رأسهم
قيادات حزبية عتيدة ماتزال تحمل
العداء للرفاق في بغداد، وأن بعض هؤلاء
قد يرون أنها الفرصة الملائمة لتصفية
الحساب.
سنجد
في الموقف الإيراني الأقل تخفياً بعض
الملامح الحقيقية للموقف السوري.
فإيران التي تعلن، مثلها مثل سورية،
معارضتها للحرب الأمريكية على العراق،
تدفع طوابير المعارضة الشيعية للتزاحم
على المدخل الأمريكي المتوقع إلى
بغداد، وفق منطق منغلق يُفقد الإنسان
القدرة على رؤية الأحداث في صيرورتها
النهائية.
إن
تخوف النظام في سورية من حرب أمريكية
ضد العراق، يقع في خانة الخوف على
الذات لا في خانة الخوف على العراق. فقد
صرح الرئيس بشار الأسد للتايمز
اللندنية في 13/12/2002 ( أن الحرب على
العراق إذا ما وقعت فإنها ستدخل
المنطقة في المجهول وتخلق تربة خصبة
للإرهاب..) وهذا المجهول المعتم هو الذي
تحاول السياسة السورية استجلاءه،
والتأكيد على الضمانات المستقبلية
إزاءه قبل أن يحصل، وتحقيق أكبر قدر من
المكاسب بالمراهنة على مواقف أكثر
برغماتية.
سورية،
التي تبدو في موقف أكثر صلابة في
معارضة حرب على العراق، لا تمارس بتقمص
هذا الموقف دوراً إعلامياً دعائياً
فقط، وإنما تخوض في حقيقة الأمر معركة
ديبلوماسية خفية، لتحقيق أقصى قدر من
المكاسب أمام أي سيناريو من
السيناريوهات المحتملة.
ومنطق
القوم يقول: إذا لم أكن قادراً على منع
الحرب فلماذا لا أستفيد منها؟! ويبدو
أن مدير البيت الأبيض يعرف سلفاً حقيقة
مساوميه وأفق طموحاتهم، ويعرف ماذا
يمكن أن يعطي كل واحد منهم ثمناً لما
يراد منه، كما يعرف أيضاً، وهذا الذي
يتجاهله المساومون، كيف يسترد منهم
غداً ما أعطاهم، عندما يأتي دورهم.
خطيئة
إبراهيم حميدي، أنه اقترب من الدائرة
الخفية في السياسية السورية، وهي
الدائرة التي تتحاشاها وسائل الإعلام
العربي، وتساعد على إخفائها!!
قد
لا تعجبنا المواقف المعلنة لبعض
الحكومات العربية، ولكننا بالتأكيد
يجب أن نخاف من السياسات الخفية لأنظمة
عودتنا أن تفاجأنا بمساحات شاسعة تفصل
الشعار لديها عن الموقف.
|