برق
الشرق
إلى
الذين يستجدون الحرية
إذا
لم أكن قادراً على التحرر
فلا كانت الحرية
كل
الشعوب الحرة جاهدت وضحت من أجل
حريتها، دروس التاريخ ناطقة شاهدة. بعض
بني قومنا الذين قعدت بهم الهمة،
وآثروا الدعة والسلامة، وظنوا الحرية
قلادة تباع وتشرى، أو تستجدى وتهدى
نراهم اليوم يتلمظون على حرية يصنعها
لهم الغزاة على طبق من عبودية تجلب مع
الذل العار، ومع التبعية الكفران.
الحرية
مطلب زاه، ومخرج للأمة من أزمتها، ولكن
أمة لا تجاهد من أجل حريتها أمة لا
تستحق هذه الحرية !!
الدرس
الأول من الإسلام الشريعة الربانية
السباقة إلى تحرير العبيد الأرقاء،
فمع دعوة الإسلام إلى الرفق بالأرقاء
والإحسان إليهم، ومع أنه جعل تحريرهم
قربة وكفارة، فإنه قرن إلى ذلك أن فرض
الحرية لكل مستعبد راغب فيها، حريص
عليها، مستعد للتضحية في سبيلها،
فكانت شرعة المكاتبة الواجبة على
السيد تجاه غلامه أو فتاته (.. والذين
يبغون الكتاب مما ملكت أيمانكم
فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم
من مال الله الذي آتاكم..) ثم حض بعد ذلك
على مساعدة المكاتَب من أموال الصدقة
والزكاة، وأوجب له أن يعان بالبر
والمعروف، وهكذا ربط الإسلام
أولاً إرادة الحرية باستحقاقها، فعبد قانع ذليل
اطمأن إلى الرق ورضي به، ما كان
الإسلام ليمنحه نعمة لا يقدرها حق
قدرها.
حقيقة
أخرى ألقاها إلى أمته رجلها في مطلع
هذا القرن، الملك فيصل الأول، بعد أن
أحس غدر ولؤم الحلفاء: (الحرية تؤخذ ولا تعطى)
فكانت حقيقة معبرة ناصعة تنتصب أمام
أعين كل الذين ينتظرون (منحة) من قوي
غلاب مسيطر.
بلاء
الشعوب في أنفسها، وقوة المستبدين من
ضعفها وعجزها، وانصرافها إلى الانشغال
بالصغائر، تثاقل إلى الأرض، ورضى
بالدون، ورغبة عن المعالي.
وما
تكاد تجلس إلى معارض شارد، إلا صور لك
بعجزه ويأسه وقنوطه، أنه مبتلى
بالداهية الصفراء، التي لا قبل
للأولين ولا للآخرين بها، ثم استنام
على أحلام تحرر أو تحرير يمنحها له: سيد
(مستعار) يظن أنه به يستطيع أن يبلغ بعض
مآربه. ولم تكن حرية الشعوب قط مأرباً
لفرد أو فئة أو مجموعة أو حزب.
إلى
الذين يستجدون الحرية من الجندي
الأمريكي على أرض العراق اليوم، نقول:
إن أول خطوة على طريق تحرركم الحقيقي،
إن كنتم صادقين، هي في دحر هذا الجندي،
وفي صد هذا العدوان، في قدرتكم على
الوقوف صفاً واحداً أمام جحافل
استعبادكم ؛ فإن فعلتم فستكونون قد
خططتم فعلاً كتاب تحرركم.
الحديث
عن أهل مكة وشعابها حديث عن خصوصيات
العاجزين. الحرية يصنعها جهد الصادقين
المخلصين الذين يحطمون دوائر
الاستعباد قبل دوائر الاستبداد.
نعم
إنني لا أستحق حرية إذا لم أكن قادراً
على صناعتها وصيانتها، وهي حقيقة لا بد
منها في منطلقات جهاد الشعوب.
27
/ 3 / 2003
|