الإصلاح
في سورية
بين
أصحاب
الأموال وأصحاب الأفكار
العدل
مطلب شمولي لا يختص بفريق من المواطنين
دون فريق. والمبادرة التي تقدم بها
رئيس الجمهورية بإلغاء محاكم الأمن
الاقتصادي، وإحالة قضاياه إلى المحاكم
العادية خطوة على الطريق القويم
ولكنها غير كافية.
كان
التلفزيون السوري قد أذاع يوم السبت في
14/2/2004 أن القضاء العادي سينظر من الآن
فصاعداً في (الجرائم الاقتصادية) في
سورية. وتشمل الجرائم الاقتصادية:
الفساد والرشوة وتهريب الأموال إلى
الخارج أو السلع إلى الداخل.
ونسب
التلفزيون إلى الرئيس السوري أنه أصدر
مرسوماً تشريعياً يتضمن تحديد الجهات
القضائية التي ستتولى النظر في
الجرائم المنصوص عليها في قانون
العقوبات الاقتصادية.
كانت
المعارضة السورية، بكل أطيافها،
والناشطون في ميدان حقوق الإنسان
والمثقفون قد ألحوا في مطالباتهم
المتكررة على ضرورة إصلاح القضاء،
واحترام استقلاليته وسيادته، وإلغاء
جميع المحاكم الاستثنائية المعروفة
بمحاكم أمن الدولة أو المحاكم العرفية
التي ماتزال سيفاً مصلتاً على الحريات
العامة في البلد.
الخطوة
على الطريق الاقتصادي لم تأت قطعاً
استجابة لتوجهات الرأي العام السوري
في الداخل والخارج، وإنما جاءت فيما
نقدر استجابة لقوتين ضاغطتين داخلية
وخارجية:
أما
الأولى فيمثلها أصحاب الأموال في
الداخل، فنفوذ هؤلاء في ظل النظام (الاشتراكي
!!) أكثر وزناً من نفوذ أصحاب الأفكار من
الدارسين والمثقفين وأساتذة الجامعات
ورجال الحياة العامة.
وأصحاب
الأموال هؤلاء بشرائحهم المختلفة
الوطنية النظيفة منها وما يقابلها قد
تأذوا جميعاً من محاكم الأمن
الاقتصادي، والتي نفذت أحكامها
بانتقائية ظاهرة فأدانت كثيراً من
الأبرياء وغفلت عمن سواهم، وكانت
الانتقائية في أبرز صورها في الإطاحة
برئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي..
ثم السيناريو الذي انتهى أخيراً إلى
توجيه الاتهام إلى الوزير السوري عصام
الزعيم والذي حزم أمره لمواجهة
القضاء، وأمِل بأن تتاح له محكمة عادلة.
ويبدو أنه عاد إلى البلد ضمن صفقة من
هذا النوع.
أما
الجهة الأخرى التي دفعت باتجاه إصدار
هذا المرسوم التشريعي فهي اشتراطات
المجموعة الأوروبية، وحرص سورية على
الشراكة الأوروبية وعلى الظهور بمظهر
المستجيب لتطلعات العولمة والعصرنة.
لا نريد أن نهدر إيجابية الخطوة، ولا
أن نقلل من قيمتها، ولكننا نريد أن
نؤكد على ضرورة أن يأخذ أصحاب الأفكار
مكانتهم في السياق الوطني إلى جانب
أصحاب الأموال.. فليس بالخبز وحده يحيا
الإنسان.
25
/ 2 / 2004
|