صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الاثنين 22 - 12 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي التعريف  |  دراسات  |  متابعاتقراءات  | هوامشرجال الشرق  |  من أرشيف الشرق | مشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | البحث في الموقع |ـ

.....

   

رؤية

نترك مجال الرؤية هذا اليوم لمقال الدكتورة بثينة شعبان : إفلاس العقلية الفردية ، عسى أن يتعظ من يهمهم الأمر

إفلاس العقلية الفردية

د. بثينة شعبان

في هذه الأيام الحرجة والأوقات الصعبة على المنطقة والعالم تتدافع المشاعر والافكار وتلتبس المواقف حتى على الذين تمتعوا دائماً بالوضوح في الفكر والمنهج ذلك لأن الجلاّد يصبح ضحية ويصبح الهدف من اهانته اشباع رغبة دفينة لدى الآخر بتحقيق الانتصار على الشعوب، فضحايا الاحتلال الاجنبي هم انفسهم الذين وقعوا ضحايا لبطش الطاغية لعشرات السنين. فالضحايا ظلّوا ضحايا ولا تعرف حقيقة ما جرت مسرحته على شاشات التلفاز لأسباب انتخابية بطريقة لم يشهد لها العالم مثيلاً ولا تعرف ماإذا كان يجب ان توجّه غضبك على المحتلين أم على «الأنا» المتورمة لدى الطغاة والتي لم ترَ وطناً او شعباً أم على اولئك الجلادين الذين اشبعوا شعوبهم قمعاً وفقراً ينهبون الاوطان ويستبيحون الشعوب باسم تحرير الاوطان وحقوق الشعوب. ولكنّ الحقيقة التي لا ينتابها لبس هي ان الضعف العربي وانقسام المواقف وانعدام وحدة الصف قد تركت الجميع لقمة سائغة لمخططات تستهدف الهوية والوجود ويتم اخراجها وتنفيذها تحت مسميات وذرائع مختلفة. والحقيقة الاخرى التي اثبتتها الاحداث القاسية هي ان من يبني مجده الشخصي على حساب مجد شعب ومن يراهن على المتزلفين من الأزلام بدلاً من ان يراهن على الاوطان لن يلقى سوى الخذلان. كما ان من يراهن على جمع الثروات على حساب الثروة الحقيقية الوحيدة والتي هي عزّة الوطن وكرامته ووحدته سوف يقضي وثروته معرّضاً شعبه ووطنه للاحتلال والمهانة.

كم من الاقطار يجب ان تنتهك قبل ان يوقن الجميع ان لازعامة ولا قيادة ولاريادة لأحد إلا بوجود وطن عزيز معافى وكم من المآسي يجب ان تعيشها شعوبنا قبل ان يوقن الجميع ان اقوى الحكام هو من تمكن من تعزيز اللحمة الوطنية بين ابناء شعبه وهو من استطاع ان يرتقي بشعبه كي يكون شعباً عزيزاً مكرماً وهو من يؤمن ان حصن الوطن هو الحصن الوحيد المنيع الذي يضمن الكرامة والعزة والاباء لجميع ابنائه وان السياج الوحيد الذي علينا ان نعمل على بنائه وتعزيزه ورعايته هو سياج الوطن اذ لا سياج لأحد إلاّ سياج الوطن. علّ أهم درس يمكن لنا جميعاً ان نتعلمه من الدول المتقدمة عدا عن العلوم والفنون والاقتصاد هو انّ المؤسسة هي الاهم من كل الافراد وان مجموع المؤسسات يشكل وطناً يزدهر وينتعش بينما تستمر حركة الافراد بعضهم قادم والآخر مغادر في حركة سلسلة وطبيعية تتحكم بها قوانين البقاء للاوطان والمساواة في الفرص والتمييز في الكفاءة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب واعتماد أسلوب التقييم العلمي لكلّ جهد بعيداً عن اي معيار اخر يتكئ على الوصاية او الاهداف الأنانية الصغيرة. ‏

وعلّ العقبة الاساسية التي تقف في وجه هذا التفكير هي العقلية المطلقة التي تصنف الآخرين إما مع وإما ضد وتصنف الثقافات إما صديقة وإما عدوة دون العمل على الاستفادة مما يمكن لنا الاستفادة منه والوقوف في وجه ما قد يهدد هويتنا او ينال من كرامتنا. هذه العقلية التي اصبحت اليوم تمسك بمقاليد الامور في مناطق عدّة في العالم هي التي تغذي عن قصد او غير قصد عقلية العنف والارهاب والتعصب وهي التي تجعل الحلول المرضية للجميع ابعد منالاً.

إن تشابك القضايا والمفاهيم اصبح معقداً الى درجة ان الاغلبية غدت صامتة او على الحياد لأن التعبير عن موقف ما يمكن ان يؤدي الى استنتاج عكس المقصود منه ولهذا لابد من وضع سلّم واضح للأولويات يتصدره الميزان الاخلاقي والانساني والذي لا يتعارض على الاطلاق مع الوطنية الصحيحة التي تحترم حقوق الشعوب وتعمل على تآزرها وتكاتفها من اجل مستقبل افضل للبشرية جمعاء. وعلّ اخطر ما يقف اليوم في وجه عمل اساسي كهذا هو الآلة الاعلامية التي تعمل على حجب حقائق وتشويه حقائق اخرى واعادة صياغة الواقع حسب جدول اعمال سياسي بحيث يصعب على الكثيرين اليوم صياغة موقف واضح مما يجري وذلك لتعذر اطلاعهم على حقيقة ما يجري في عصر لا يملك فيه احد وقتاً لسبر اغوار الواقع والكشف عن الحقائق في وجه حملات تضليل هادفة ذات ابعاد واغراض مرسومة ومحددة. ‏

وإنها لمفارقة غريبة بالفعل ان يتعمق جهل احدنا بالآخر بينما تزداد تكنولوجيا المعلومات إحراز تقدم تقني يومياً وذلك لأن هذه التكنولوجيا تستخدم لاخفاء الحقائق وترويج ما تريد ان تروج له في غياب وازع اخلاقي سياسي يتوخى الدقة والموضوعية. ‏

في عصر يعاني من التعقيد والسرعة وسيل المعلومات اليومي لابد لنا من وقفة مع الذات الانسانية والعودة الى الحقائق البدهية التي اكتشفها الانسان وتعايش معها عبر العصور. ‏

من هذه الحقائق أن العدالة الإلهية والاخلاقية اقوى من كل بني البشر وانها عاجلاً او آجلاً تجد طريقها إلى حياة الجميع، ومن هذه الحقائق ايضاً ان الانسان ضعيف مهما طغى وتجبّر وان افضل ثروة يمكن ان يمتلكها الانسان وتستمر طيلة حياته وبعد مماته هي السمعة الطيبة الناجمة عن العمل الصالح. واحدى هذه الحقائق ايضاً هي ان الجهاد ضد الذات هو اصعب انواع الجهاد وأن محاسبة الذات اولاً هي واجب على كلّ منا وضمان ألا نحاسب الآخرين واهم هذه الحقائق هي ان المسؤولية امانة وليست ميزة وان هاجس من يتحملون مسؤولية اوطانهم لابد ان يكون صيانة الاوطان وحماية الشعوب وتأدية الأمانة. ‏

إنّ ما مرّ على العرب في السنوات الاخيرة جدير بوقفة جادة مع الذات وجدير بمراجعة حقيقية شاملة لأسلوب عمل قد اثبت افلاسه وتوضحت نتائجه المدمرة إذ ان المكابرة على الخطأ والاستمرار في تجاهل الواقع سيقود الى التهلكة. والعبرة الاولى والاهم هي ان العقلية القبلية قد اثبتت إفلاسها وانه لابد للجميع من وضع اسلوب عصري لبناء الاوطان يعتمد التجارب الناجحة في العالم ويبني على ما حققته حتى اليوم وليس في هذا غضاضة على الاطلاق لأنّ التجارب البشرية تتلاقح وتتقاطع دائماً لما فيه خدمة المسيرة الانسانية وتطورها. ‏

ربما والعرب يواجهون الاخر عليهم ايضاً مواجهة الذات بحيث لا تصبح مواجهة الذات مبرراً لعدم مواجهة الاخر كما يريد لها اعداؤنا ان تكون،بل بحيث تصبح سلاحاً امضى من اجل مواجهة الاخر وانهاء الهيمنة ووضع حدّ لاحتلال الاوطان واستباحتها. ‏

علّ التطلع للمستقبل ومحاولة فهم الحاضر وايجاد الاجوبة السليمة على الاسئلة الصعبة والمؤلمة هو الطريق الوحيد لوضع حدّ لحالة اليأس والاحباط التي تعيشها شعوبنا نتيجة رداءة الواقع وتشابك الاوراق واختلاط التآمر على هوية الامة ومستقبلها، وعلّ اعادة تثقيف العرب في الوطن والمغترب وشحذ همتهم بأنهم قادرون على فعل شيء اذا ما قرروا هي البداية الحقيقية لبناء مجتمعات عصرية ترفض الذل، وتتمكن من استقطاب الدعم العالمي لقضايا العرب النبيلة ولاستعادة حقوقهم المسلوبة. ولكن لابد لنا نحن من ان نضع البداية، والبداية تكون بفهم واقعنا ووضع رؤية واضحة لمستقبلنا بحيث لا نعرّض اجيال المستقبل من ابنائنا لما تعرّض له جيلنا من خيبة وخذلان. ‏

صحيفة تشرين / السبت 20 كانون الاول 2003 السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  برق الشرق  
  بوارق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  بيانات وتصريحات  
  قراءات  
  شآميات  
 

 
 

اتصل بنا

 
   
   
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجسور |ـجديد الموقع | كتب | مجموعة الحوار  | تقارير حقوق الإنسان | واحـة اللقـاء | ابحث في الموقع |ـ

| برق الشرق بوارق رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  |  بيانات وتصريحات  |  قراءات  | شآميات  |  ـ