برق
الشرق
بين
احتلال الأرض واحتلال الإرادة
لا
أحد يحب الاحتلال الأجنبي لبلاده، ولا
أحد يسوغه أو يدعو إليه.. ومع ذلك فمن
حقنا أن نقارن بين احتلالين: احتلال
الأرض الذي تمارسه الولايات المتحدة
والصهيونية وجوداً مادياً في كل من
فلسطين والعراق، وهو احتلال على
بشاعته وآثاره التدميرية يدفع يومياً
ثمناً مادياً، وبين احتلالهما للإرادة
العربية حيث يسيطر الخوف منهما على
القرار العربي والرؤية العربية، فلا
نسمع على الساحة العربية إلا المزيد من
دعوات الاستخذاء والاستسلام تحت
عناوين التعقل والحكمة وبعد النظر!!
ما
يقوم به شارون اليوم على أرض فلسطين،
وردود الفعل العربية الرسمية
والفلسطينية السلطوية يمثلان أوضح
صورة للاحتلال الثاني، حيث يصر (أسامة
الباز) و(دحلان) و(أبو مازن) على إعطاء
شارون فرصة جديدة، للإيغال في اللحم
الفلسطيني والدم الفلسطيني، وفي ساحة
الأقصى ومحرابه، رجاء التمتع ببعض
الأمن أو الجاه.
إن
رد الفعل (العربي والسلطوي) على
انتهاكات شارون المتعددة والوقحة
للهدنة والتي توجت بمقتل الشهيد
إسماعيل أبو شنب، واستمراره في بناء
الجدار الإسفين رغم الانتقادات
الدولية.. إن رد الفعل العربي والسلطوي
على الممارسات تلك تجسد حالة صارخة
لاحتلال الإرادة العربية من قبل
الإدارتين الأمريكية والصهيونية..
نظن
أنه كان بإمكان مصر أن تتظاهر بالغضب
وهي التي كانت عراب الهدنة التي
اغتالها شارون، وأن تهدد مجرد تهديد
بنقض اتفاقية سلامها مع الصهاينة، لعل
بوش يشعر ببعض القلق. ونظن أنه كان
بإمكان عباس ودحلان وهما جزء أساسي من
معادلة بوش أن يهددا بالاستقالة، ونظن
أنه كان بإمكان سورية أن تتحرك خطوة
نحو مشروع وطني عملي لتحرير الجولان،
ينفي عن قيادتها حالة الترهل
واللامبالاة بالوطن المضاع. ولو حدث كل
ذلك أو بعض ذلك فإن التداعيات ستكون
أفضل ألف مرة من الالتصاق بخيار
الاستسلام الخانع الذليل..
إن
أسوأ شيء يمكن أن يكون في تطور مثل هذا (السيناريو)
أن تعيد إسرائيل احتلال كامل الأرض
الفلسطينية، وأن تعتقل رجال السلطة
وعلى رأسهم عباس، الذين هم معتقلون
فعلاً، والحرية الوحيدة الممنوحة لهم
هي حرية التنازل عن الحقوق
الفلسطينية، أو تكبيل الشعب
الفلسطيني، أو تدمير قدرته على
المقاومة. كما يمكن في التداعيات
الأكثر سوءا لذلك السيناريو أن تنداح
إسرائيل من جديد عبر غزة وسيناء إلى
ضفاف القناة الشرقية وربما تعبرها إلى
القاهرة لتحرير (عزام عزام) القضية
الإسرائيلية الأولى في المنطقة. وربما
تنداح إسرائيل أيضاً شمالاً إلى بيروت
ودمشق وتصل إلى حلب وعفرين !! وهذا
الاحتمال على كل ما فيه من تطرف
وسوداوية في الرؤية ؛ أفضل ألف مرة مما
تعيش الأمة اليوم من مرارة ومهانة.
قد
لا يخطر على بال المتقاعسين
والمتخاذلين أن الانتفاضة الفلسطينية
والمقاومة العراقية فرضتا في حياة
الأمة واقعاً جديداً. واقعاً يفتح أمام
الشعوب المكبلة فرصة اللقاء مع العدو
كفاحاً، ويحول مهام المقاتلين (أبطال
الجيوش العربية) من حراس حدود إلى
مقاتلين عمليين يدافعون عن الأرض
والإرادة والكرامة.
احتلال
الأرض مؤلم وقاس ورهيب، ولكن احتلال
الإرادة والقرار الذي تمارسه علينا
الإدارتان الأمريكية والصهيونية أشد
وأنكى.. ومن هنا فإننا ندعو قادة الأمة
ونخبها إلى التحرر من الوهم والخوف
وقراءة الواقع على ضوء معطيات (الانتفاضة)
و(المقاومة) والخروج من قوقعة ما كرسته
(النكبة) و(النكسة) من قبل وهي قراءة
لابد أن تفتح آفاق التحرر من جديد.
نستنكر
اغتيال كل إنسان فلسطيني كما نستنكر
العملية القذرة التي نفذها شارون ضد
الشهيد إسماعيل أبو شنب. وندين كل
عمليات الالتفاف على دماء شعبنا
الفلسطيني رجاله وأطفاله ونسائه.
25
/ 8 / 2003
|