برق
الشرق
الانقلاب
على تصريحات الشرع الساخنة
ظن
السيد فاروق نفسه في غرفة مغلقة في
لقائه مع الصحفيين السوريين في يوم
عيدهم، وأطلق لنفسه العنان، وهو يتحدث
عن الولايات المتحدة بلهجة أعادت إلى
الأذهان الخطاب السوري أيام الحرب
الباردة. حتى تساءل المتابع أحقاً ما
نسمع وما نرى ؟!!
فالإدارة
الأمريكية، حسب الوزير السوري، هي (الأعنف
والأكثر حماقة) وهي تعتقد (أن
أي قانون يصدر عن الكونغرس هو قانون
منزل من السماء..)
ويؤكد الشرع أن سورية تتعرض لأعنف هجمة
منذ القرن (السادس
عشر)
ويضيف معلقاً على قانون محاسبة سورية
قوله (..
لاحظوا الاسم قانون محاسبة لو كان
صادراً عن قوة إلهية لكانت أكثر
تواضعاً لأن الله غفور رحيم) ولا يفوت الشرع وهو يرمي
الأمريكان بحمم مدفعيته أن يقول: إنه
يعبر عن مواقف جميع السوريين، وأنه
لا يعقل أن يقول كلاماً لا يرضى عنه
السيد الرئيس.
واصفاً الأمريكيين بأنهم لا يعجبهم
إلا من ينحني لهم وإذا لم تنحن لهم
فإنهم يشطبونك وتصبح خارج الدائرة..
هذه
التصريحات الساخنة أخذت مداها وحظها
من الدراسة والتعليق على الساحتين
العربية والدولية إذ اعتبر خطاب الشرع
قفزة نوعية في لهجة الخطاب الرسمي في
مرحلة ما بعد 11/9.
ولكن
الذي ظهر بعد ذلك، أن السيد الوزير كان
ينطلق من، عندياته، أو يعبر عن ذاتية
فردانية، لا عن موقف رسمي. حتى الآن لم
يصدر من سورية أي اعتذار رسمي عما ورد
على لسان الشرع، كما لم يصدر أي تقييد
لمطلقه، أو تخصيص لعامه، أو تأويل
لمجمله، أو تفسير لظاهره ؛ وإنما الذي
حدث هو انقلاب عملي على الخطاب نفسه.
تجاهلت
الصحف الرسمية السورية ومنها البعث
وتشرين، جديد الخطاب، وأوردت ملخصاً
لكلام الشرع مخالفاً تماماً لنص
الخطاب وروحه. قالت البعث (الشرع:
إسرائيل وراء أي علاقة متردية بين
الولايات المتحدة والعرب) وتحت هذا
العنوان تمسحت (البعث) بالولايات
المتحدة فنسبت إلى الشرع قوله (إن
الولايات المتحدة وعدت سورية بالعمل
على جعل الانسحاب الإسرائيلي كاملاً
حتى خط الرابع من حزيران عام 67. وقالت (أي
الولايات المتحدة) إنها لن توافق على
ضم أي بوصة واحدة من الجولان.)
بينما
أوردت تشرين كلام الشرع تحت العنوان
التالي المتزلف للولايات المتحدة
(لدينا وعد أمريكي بعدم ضم إسرائيل
بوصة واحدة من الجولان) ثم تدخل
الجريدة في تفصيلات الخطاب الإيجابي
تجاه الولايات المتحدة، متجاهلة كل
العبارات الساخنة التي وردت على لسان
الشرع.
هذا
الانقلاب الخطير يشير إلى تنازع
صلاحيات في مطبخ القرار السوري.
فالوزير الشرع، الذي تسلم الخارجية
السورية من سلفه خدام منذ ما يقرب من
عشرين عاماً، يرى نفسه المؤهل الأول
لتحديد المواقف السياسية وصياغة
الخطاب.. بينما يظن آخرون أن الشرع مجرد
(حامل) للموقف وليس صانعاً له. في حضور
الأسد الراحل كانت مثل هذه المسائل
محسومة سلفاً، ولا أحد يفكر أن يتقدم
أو يتأخر عما يرسمه الرئيس بشخصيته
القوية والنافذة.
تبدو
الأمور اليوم مختلفة، والقرار السوري،
أو الموقف السوري متردداً قائماً على
التنازع، دون أن تتحدد الجهة التي تقرر
أو التي تنفذ.
سحب
كلام الشرع من التداول الإعلامي، يذكر
المواطنين السوريين أيضاً أن كلاماً
كثيراً لرئيس الجمهورية تم سحبه أو
تجميده أو الالتفاف عليه، أكثر مما ورد
في خطاب القسم، وما تلاه من قرارات لم
تكن قادرة على أن تعانق النور.
يعلم
المواطن السوري كما المتابع السياسي
المسحوب والمسحوب عليه، أما عمليات
التنجيم المتلاحقة فتظل تدور في أعقاب
الساحب ؟!
31
/ 7 / 2003
|