برق
الشرق
سورية
.. الاقتراب من الذات يعني النأي عن
أمريكا
تريد
الإدارة الأمريكية الحكام العرب
معلقين، ودعاوى الديمقراطية
الأمريكية ذات دلالات أمريكية بات
يفهمها الجميع، الخيار الديموقراطي
الذي تعلن الولايات المتحدة عنه هو
خيار خاص جداً ؛ لأن الديموقراطية
بأبعادها السياسية والفكرية الحقيقية
لن تنبت في الأرض العربية والإسلامية
إلا (نخيلاً) ترفضه الولايات المتحدة
وتأباه، ولأن هذه الديمقراطية
بأبعادها الشعبية سوف تنتج حكومات
عربية قوية وقادرة مستندة على أرضية
صلبة، مالكة لقرارها وهذا ما تسعى
الولايات المتحدة إلى نقضه بإيجاد
أنظمة واهنة وتابعة. الولايات المتحدة
تريدهم ضعفاء عاجزين يستمدون قوتهم
منها (في العسر واليسر والمنشط والمكره)
ويعكسون في سياساتهم إرادتها.
من
أجل ذلك تتردد الإدارة السورية
طويلاً، وماتزال، قبل أن تتقدم بخطوة
إصلاح حقيقي نحو (الذات) أو (الجواني) أو
نحو الإنسان السوري للاقتراب منه،
واعتماده مشاركاً فاعلاً في اتخاذ
قراره وتنفيذه، وفي حماية مصالحه،
والمرابطة على مبادئه.
كل
الاستحقاقات التي تلح عليها الولايات
المتحدة، والتي استجابت الحكومة
السورية إليها بنحو أو بآخر تتعلق
بمحاور خارجية (برانية) مثل عزل
العراق أو اعتزاله، أو نفض اليد من
الملف الفلسطيني، أو إعادة ترتيب
الأوراق اللبنانية.
قضايا
كثيرة تلح عليها الإدارة الأمريكية،
وتستجيب لها الإدارة السورية، دون أن
تفكر هذه الإدارة بتفاعل ذي شأن مع
الملف الداخلي.
المواقف
الإيجابية التي بذلتها المعارضة
السورية على اختلاف أطيافها، بالمطلق
وبدون شروط، ومن طرف واحد، كانت أكثر
من تحية تتقدم بها هذه المعارضة
للإدارة السورية وفي ظروفها الصعبة أو
في ظروفها المغرقة في الصعوبة، إلى
درجة تجعلها لا تستنكر عدوان الولايات
المتحدة على أراضيها، واختطاف بعض
الجنود السوريين، مؤثرة العمل بصمت
كما قالت !! ولكن الأمريكيين رفضوا أن
يطلقوا الجنود الأسرى إلا بعد أن
استنزفوا كل ما بحوزتهم من معلومات
ظنوا أنها تنفعهم !!
التحية
التي تقدمت بها المعارضة السورية في
هذه الظروف الصعبة، لم تأخذ بعدها
القرآني (فحيوا بأحسن منها أو ردوها..)
وإنما خرج من هو في موقع السلطة ليفسر
موقف المعارضة بالضعف أو العجز أو
اليأس، ملقياً ظلال ما في نفسه على
الآخرين، فكان من حق إرادته عليه أن
تقول (ليته سكت..).
الإدارة
السورية مترددة في خيارها بين (الجواني)
و(البراني) بين المعادلة الوطنية بكافة
أبعادها وتبعاتها، وبالتالي عناصر
قوتها الذاتية، وبين (البراني) الذي
يعلقها بين قوسي العصا والجزرة
الأمريكيتين، ويرى بعض المحللين أن
العصا الأمريكية غدت بدون جزرة !!
ففي
حين حسمت المعارضة السورية موقفها
واختارت بلا تردد الانضواء في
المعادلة الوطنية، مازال التردد
والتوجس والخوف يسم موقف الإدارة
السورية، ويعيبه. وإذا كانت الإدارة
الأمريكية تحارب من أجل نزع كل أوراق
القوة من الإدارة السورية، وتتهدد على
ذلك، فهل ستكون الإدارة السورية قادرة
على أن تخطو بعيداً في أعماق الذات
الوطنية، لتضم إليها ورقتها الأقوى ؟!
خيار
الإدارة السورية، في هذا الشأن، لن
يكون منبتاً أو معزولاً عن سياقاته
الوطنية والإقليمية والدولية، وإنما
هو خيار ستنشأ عنه أو تبني عليه خيارات
كثيرة، وسيتقرر من خلاله حاضر الوطن
ومستقبله، وإنا لمنتظرون.
3
/ 7 / 2003
|