برق
الشرق
جديد
باول ـ وجديد دمشق
باول
في دمشق. وقد سبقه إلى هناك تهديد ووعيد
أمريكي كثير، امتطى بعضه أجنحة
الحقيقة، وامتطى أكثره أجنحة الوهم.
وفعل كلاهما فعله في الموقف الرسمي
السوري. فسارع القائمون على الأمر في
دمشق إلى نسل تاريخهم عن تاريخ رفاقهم
في بغداد، وبدأوا حملة لتفسير
سياساتهم وشرح مواقفهم، في مسيرة
استرضائية، قدمت للأمريكيين كثيراً من
(العطايا) لم تُطلب منهم. وهكذا عاشت
القيادة السورية، ومازالت، هاجس خوف
الغضبة الأمريكية، (وذُهانية) السقوط
العراقي المريع.
باول
في دمشق يحمل معه أجندة أمريكية
بالأصالة، وأخرى شارونية بالوكالة،
وكما كانت الحرب الأمريكية استباقية
تأتي التفاعلات السورية كذلك، فتسد
الذرائع الأمريكية، وتصرح القيادة
السورية أنها مستعدة للذهاب إلى طاولة
المفاوضات الشارونية بلا شروط !!
باول
يقرر أنه (.. سيوضح للرئيس السوري جلياً
كيف تنظر الولايات المتحدة إلى تبدل
الوضع في المنطقة بعد رحيل نظام صدام
حسين، وفي ضوء خارطة الطريق) وأنه
سيسعى للحصول على إجابات (.. واضحة
وصريحة عن كل الشكوك والمطالب
الأمريكية.) (وأنه لا يسعى إلى إجابات
سريعة من دمشق) بمعنى أن ما سيقدمه
إنذارات تحمل صورة مطالب ديبلوماسية.
باول
يملك أوراقاً جديدة يتحدث عنها، ولعل
أبسطها زوال عمق استراتيجي عربي داعم
لسورية وحلول ثلث مليون جندي أمريكي
بآلياتهم محله،
ولن نسترسل في تتبع معطيات الواقع
العسكري والسياسي والاقتصادي الجديد..
؟
فماذا لدى السوريين ؟
سينصب
الخيار السوري الإعلامي، على طائفة من
المستهلكات الكلامية وهذا قد يتغاضى
عنه الأمريكي، في محاولة حفظ ماء
الوجه، ما لم يوجه إليه، فباول كما
يقول لم يأت للاستماع. أما الخيار
السياسي فسيتجسد في السير مع المطلوب
الأمريكي مهما بدت فظاعته أو وقاحته !!
باول
قادم لدمشق ليتكلم: يشرح ويوضح (يأمر)
وليس قادماً للاستماع. وكلام دمشق في
سياق مطلوب باول كله قديم، غير الوعد
الصريح بالتعاون المطلق أو السمع
والطاعة. أخصائيو التجميل للقرار
السوري بدأوا يتحدثون عن (الكر) و(الفر)
و(السكونية) و(الحركية) في الموقف
السياسي. أي وفق الفذلكة التي أحالت
هزيمة السابعة والستين إلى نصر ناجز.
المؤلم في الأمر أن
القائمين في دمشق لم يستطيعوا أن
ينجزوا واقعاً جديداً يعيدوا به بعض
التوازن للاختلال الناجم عن سقوط
بغداد، ليتعاملوا من خلاله مع ما جاء
باول لشرحه. لقد كان بإمكانهم أن
ينجزوا واقعاً (وطنياً) وآخر (عربياً
وإسلامياً) وثالثاً (دولياً) يقابلون
أوراق باول الجديدة به. ولكن ظلت
معادلاتهم وعلاقاتهم متسمرة عند
الماضي ومعطياته. وحين فكروا في
المستقبل قاموا بالهروب إلى المطلوب
الأمريكي، فقد رأوا فيه الأضمن
والأسلم لهم على كل حال.
ملفات
المطلوب الأمريكي من سورية تتعلق
بالعراق: سياسيات حسن جوار مع المحتل.
كما تتعلق بلبنان ومقاومته الوطنية،
وبفلسطين وخارطة الطريق، التي
يطلب لها الغطاء والحماية، وكذلك
بمنظمات المقاومة الفلسطينية. أما
المطلوب السوري الخجول على مائدة
باول، فيرده باول بجولة استباقية: (إذا
كانت سورية تريد أن تصبح جزءاً من
التسوية الشاملة فعليها أن تعيد النظر
في سياساتها التي تتبعها فيما يتصل
بمساندة الأنشطة الإرهابية والسيطرة
التي تملكها على قوات في لبنان وتشكل
خطراً على شمال إسرائيل..)
اللافت
أن المطلوب الأمريكي من النظام
السوري، لم يقارب إلا قليلاً ملف
الديمقراطية أو حقوق الإنسان في سورية.
لماذا ؟! لأن هذا الملف يضع سورية على
عتبة المخرج الحقيقي لأزمتها. وقديماً
قالت العرب: لأمر ما جدع قصير أنفه.
4
/ 5 / 2003
|