برق
الشرق
الكارثة
لا تحجب البطولة
لا
ينبغي للنتيجة الكارثية التي انتهت
إليها الحرب في العراق، بالطريقة التي
تمت، أن تحجب بطولة الشعب العراقي
وصموده وثباته ؟!
لعل
من المفيد أن نقرر أن أحداً لم يكن
يراهن على أن يستطيع العراق، وهو دولة
نامية، أن يحقق نصراً ناجزاً على أعتى
قوة عسكرية ضاربة في التاريخ !! بل كان
الأمل معقوداً ومازال على الصمود
والمقاومة.
الجديد
في المشهد العراقي، كما في المشهد
الفلسطيني، وهو الذي ينبغي أن ينتبه
إليه الدارس والمتابع، هو الانتصار
على حالة الهلع والخور التي تصيب عامة
الناس جراء تهديد همجي ضار، وقصف وحشي
مدمر، كالذي حدث في العراق، ويحدث في
فلسطين.
نصبت
المخيمات لاستقبال مئات الألوف من
اللاجئين، الذين سيدب فيهم الفزع
فيتدفقون على دول الجوار العراقي في
الشرق والغرب والشمال والجنوب!!
البطولة
العراقية التي يجدر أن نقف عندها
بإمعان وإجلال، هي إصرار الإنسان
العراقي على المرابطة فوق أرضه، وفي
منزله، مصمماً على ألا يبرح وطنه، على
الرغم من المهددات والمغريات، وبعد
سنوات طويلة من الحصار. بنفس الصمود
يواجه الإنسان الفلسطيني مخطط شارون
لإعادة المأساة النكبة كما حصلت سنة 1948
ـ 1967.
هذه
الحالة الشعبية العامة، المتكررة في
العراق وفي فلسطين تبشر بخير كبير.
وتنبئ أن الأمة (الإنسان) أصبحت قادرة
على تحمل مسئوليات موقف تهتف له،
وإنجاز تدعو إليه، وأن تدفع الثمن الذي
يقتضيه بوعي وإرادة وبصيرة.
إن الوجه الآخر لهذه
الحقيقة يؤكد أن الجماهير العربية قد
طورت أنفسها بعيداً عن الأنظمة، بل قد
تجاوزت هذه الأنظمة: وعياً وإرادة
وموقفاً وإنجازاً. وطالما شكك
الكثيرون في قدرة الإنسان العربي، على
الصبر وتحمل أعباء موقف يدعو إليه، كما
شككوا في قدرته على الإنجاز والإبداع !!
حرب العراق، كما الحرب الدائرة على أرض
فلسطين كلتاهما تؤكد أن الإنسان
العربي لم يعد ذلك الإنسان (الواهن)
الذي يحمل متاعه مع أول صيحة في رحلة
الخوف والهلع في تيه اللجوء.
شعب
العراق هو هؤلاء الملايين الذي صمدوا
في بيوتهم تحت القصف وفي مواجهة الغزو
متمسكين بالأرض ثابتين عليها، رافضين
للاحتلال، إنهم أبناء وطن وليسوا
نزيلي فندق، وهم اليوم مصممون على
التحرر والتحرير.
ولا
ينتمي إلى العراق، ولا يمثل شعبه أولئك
النفر من الأوباش والأوشاب، الذين
فسقوا عن قيم الدين والمواطنة
والإنسانية لتكون لهم تعبيراتهم
المنحطة، وممارساتهم المرفوضة: شماتة
واستخذاء أو قتلاً ونهباً...
لقد
توسعت بعض وسائل الإعلام العربي في نقل
الحالات الشاذة تلك وفي التركيز
عليها، وتكرار بثها. وغفل أولئك عن أن
واجب الإعلامي الحقيقي، أن يذهب إلى
الحقيقة في مناجمها المخبوءة لا أن
يلتقطها من عرض الشارع، فيجعل من الشاذ
والناد معبراً عن شعب بأسره، شعب يكتنز
الأصالة ويرتكز على حضارة آلاف السنين.
شعب العراق هو ما ستظهر قوادم الأيام
رقياً وإخاء ومحبة وصلابة وشدة مراس
إنه جزء من الأمة التي قيل فيها (..
أشداء على الكفار رحماء بينهم ..)
13
/ 4 / 2003
|