صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم السبت 09 - 03 - 2002م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | مجموعة الحوار |ـ

.....

   

رؤية

حتى لا يضيع قرن آخر

بقلم رئيس التحرير : زهير سالم

ــــــــــــــــ

   مرّ قرن أو يزيد، والمشروع النهضوي العربي، لا يزال بعيداً عن الطريق. الحجر الذي طوّح به الشيطان من علُ لم يبلغ الوهدة بعد، لم يستطع أحد أن يوقف انحداره، بله أن يعود به إلى مكانه من جديد.

   لن تعجز أن تشير في واقع الأمة إلى نقطة مضيئة هنا، وأخرى هناك، ولكن هذه الإيجابيات المتناثرة المفككة،نمت كما أشجار الطرقات، نمواً طبيعياً بعيداً عن التخطيط والإنجاز، الهادف المحسوب.

   التقويم (الحضاري) و(السياسي) و(الاقتصادي) و(الإداري) لواقع الأمة، يثير الذعر، وينعكس إحباطاً، وشعوراً بالعبثية من كل ما يكتب ويقال؛ عشرات الآلاف من الكتب والأبحاث، والكثير من النظريات، والنداءات والخطابات والندوات، ملايين من المثقفين: (مفكرون، أدباء، شعراء، فقهاء، أطباء، مهندسون، محامون، منظرون سياسيون، صحفيون…) ومع ذلك فثمرات العقول في واد، وواقع الأمة المتردي في واد آخر.. كل أولئك وهؤلاء، والأمة تسير القهقرى تنحدر إلى قرارة الضعف والتجزئة والفقر والتخلف ولا تجد لصرخات أبنائها ولو رجع صدى.

   ببساطة بالغة تستطيع وأنت على أبواب القرن الحادي والعشرين، أن تجد مكاناً لكل ما كتب حول مشروع النهضة، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين... وستجد الأفغاني والطهطاوي واليازجي وقسطنطين زريق مفيدين جدا،ً في قراءة واقع أمة ركد حتى أسن، وربما بدا لك أن تجعل    من كتاب (طبائع الاستبداد) للكواكبي (معلّقة) أو (مذّهبة) يتحفظها أبناء الجيل لكي تكون نبراسا لرجال الفكر والإدارة فيه...!!

   وإذا حذفت من أولويات الأمة سطر (التحرر من الاستعمار) الذي أنجز منذ نصف قرن تقريباً، تستطيع أن ترى الماضي بكل مآسيه وبأسائه ماثلا أمام عينيك

   بل ستجد أن المأساة تزداد عمقاً وانتشاراً، وأن الأمة قد حرمت حتى من حق تلمس الحلول لأدوائها ومشكلاتها. فقد أخذت سنابك الدبابات على عاتقها إيجاد مشكلة لكل حل!! أو لكل صاحب حل!! وفرضت على الأمة صيغاً مفصلة، ورؤى جاهزة، ونداء مفروضا بقوة: (ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ..)!!

   في مثل هذه الافتتاحية، لا نستطيع أن نرصد معالم (الموقف)، ولا أن نحدد مواطن الداء، ولا أن نشير إلى أبعاد (المأساة) التي تعيشها أمة؛ ما تزال في أوضاعها العامة، وثقلها النوعي، في خفة ما يحمله السيل: تُحتل أرضها، وتنتهب ثرواتها، ويغتصب قرارها، وتوأد أحلامها، وتضيع حقوقها، ويذل أبناؤها (قتلاً وسجناً وتشريداً وتجويعاً، وضنك عيش واحتقارا واستصغارا...)!!

   إن كل الذين يزعمون أن مشروعهم (الحضاري) قد تجاوز حد الإمكان في الإنجاز، ثم ينسبون نجاحات موهومة إلى قيادات يقدمونها في إطار أسطوري من القدرات الخارقة..هم جزء من مأساة الأمة، ومن المعوقات التي تقف في طريق نهوضها وفي وجه إنجاح مشروعها في مضامير التنافس العالمي والقومي والوطني..

   لقد طافوا يوماً بسيدنا علي بن أبي طالب مرددين حوله، (أنت أنت..) فكان منه بشأنهم ما كان، ثم طافوا بقصر أبي جعفر المنصور وقالوا له العبارة نفسها (أنت.. أنت) فكان منه بشأنهم ما كان.. ثم مازالوا يلتفون حول كل صاحب (كرسي) او (دبابة) أو (قصر)، يرددون على مسامعه صباح مساء: (أنت... أنت) فيجدون الحظوة، والتقدمة والرفعة فوق رقاب العباد!!

   لقد كان للتحالف غير المقدس بين الاستبداد (الثوري) والمثقف (العلماني) أثره البالغ في تسويغ الاستبداد وتسويقه، وتكريس الفساد وتبريره، تحت عباءات الكلام المنمق، ووشي الادعاءات الشعاراتية الجوفاء.. وهكذا غدا الاستبداد ثورية، وتحولت الهزائم إلى انتصارات (دون كيشوتية)، وغدا ذبح الناس في محاكم التفتيش (تقدمية)، أما كل عوامل النكوص الاقتصادي، والعجز التنموي، وانتشار الفقر والبطالة والجوع فلقد دعاه السادة المتسلطون (اشتراكية).

   إن عطاءنا في هذه الأوراق، لا يسعى إلى زيادة معاني جديدة إلى سفر المشروع النهضوي العربي المتخم والمفجوع.

   كما أننا لا نسعى ونحن في قعر الزجاجة، لا في عنقها كما يقولون، إلى تسجيل مواقف إشادة أو إدانة لفريق على حساب فريق..

لقد مرّ على الأمة قرن من (البطالة) أو (العطالة) قرن كان ثقله في حساب الزمن أو الأمم قروناً طوالاً، وما نزال بعيدين عن الطريق...!!

   نحن نسعى جاهدين إلى فك الارتباط غير المقدس، بين الاستبداد و(الكلمة)، لأن هذا الارتباط قد أودى بأمتنا وأوردها المهالك..

   نسعى إلى رسم خارطة للكلام الحركي، نشارك من خلاله في صياغة واقع جديد، ينبت كما حبة القمح، محاولة لإعادة ترتيب الأولويات، وإصلاح العلاقات، وردم هوة، وتجسير فجوة، ووضع عربة الكلام على مدارج الفعل والإنجاز..

   نسعى إلى صلح مع الذات (الوطنية) و(الإقليمية) و(القومية)، وسيكون (التعارف) بوابة رئيسية لهذا الصلح المنشود، (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا...)

   التعارف الذي يقشع ظلمة الجهل، ويكسر حواجز الخوف، ويرسخ دوائر المشترك، ويحدد مفارقات الرؤية ثم لعله يقربها أو يوحدها...

   وبين (التعارف) و(الاعتراف) في رأينا أكثر من جناس لفظي، اعتراف بما كان في الماضي، واعتراف بما على الأرض، مما لا يمكن تجاوزه أو استئصاله أو اقصاؤه.. اعتراف (بالآخر) وكل فريق بالنسبة لسواه (آخر) وجلوس معه، وإصغاء إليه...

   حتى لا يضيع قرن آخر، ويجلس سوري مبعد بعد قرن في مجاهل الغربة، يكتب افتتاحية لجريدة مشردة، يجلّي نفس المشاعر، ويردد نفس العبارات؛ نبادر إلى اختصار الوقت، لندعو (الجمع) الوطني إلى نقطة البداية، في ملتقى الحوار للتعبير عن الذات، في إطار أمة ذات مرجعية فكرية، وصبغة حضارية، ووجهة وسطية، بداية تكون نقطة ارتكاز في فضاءات تعصف بالثواقب وليس فقط بالهباءات.

   وإنها لبداية تستحق منا هذه الأوراق، وما هو أكثر من هذه الأوراق.السابق

 

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

2002 © جميع الحقوق محفوظة     

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | مجموعة الحوار |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ