برق
الشرق
خارطة
الطريق:
الوجبة
الأمريكية السريعة
حين
يكون البديل لا شيء، فهل يرضى الإنسان
بأي شيء ؟! قد يسهل الجواب على السؤال
في الفراغ، وقد يسهل على الذين يتعشقون
المثل، ويحفظون الأمثال، ولكنه صعب في
عالم الواقع مدخلاته ومخرجاته،
وبالتالي فإن الذين راضوا أنفسهم على
القبول بالعرض القريب كثيراً ما
ينكرون على مخالفيهم أن يرفضوا هذا
الذي يظنونه أمراً ذا بال.
في
قمة البحر الأحمر مجاراة الرئيس بوش
شارون في الحديث عن (الدولة
اليهودية)،
كانت جديرة بأن تجعل (أبو مازن) يقلب
طاولة عمل القمة. الحديث عن دولة (يهودية)
يقع خارج السياق التاريخي والحضاري
وقرارات الأمم المتحدة التي يُستظل
بظلها فيُطلق عليها (الشرعية الدولية).
كما أنه يقع خارج نطاق القبول
الفلسطيني والعربي والإسلامي. فتعبير (دولة
يهودية) تعبير شوفيني متعصب منغلق لا
يؤمن بالتعددية ولا بمعطيات الحضارة،
ولا بسياق العولمة الإنسانية المنفتحة
على الآخر، التي تحرص الولايات
المتحدة على تعليمنا إياها، تحت عنوان
ثقافة (قبول الآخر)، والتي تجهد
الإدارة الأمريكية اليوم لتفرضها
علينا في مكة، وربما داخل الحرم
الشريف، والمسجد الأقصى والمدينة
المنورة !!
إن
الحديث عن دولة (يهودية) بهذه الوقاحة
والسماجة يعني أمرين بالغي الخطورة في
السياق الفلسطيني. الأول هو إسقاط حق
العودة لملايين الفلسطينيين الذين
يعيشون في المخيمات والملاجئ، وهي
لقمة كانت أكبر من فكي عرفات فما بالك
بـ (أبو مازن) !! والثاني هو تنفيذ عملية
ترانسفير (ضد العرب) المتمسكين بأرضهم
في فلسطين الأولى، أو اعتبارهم
مواطنين من الدرجة الثانية، وإسقاط
كافة حقوقهم السياسية والمدنية، لنعود
إلى شكل من أشكال (الرق) الذي برعت فيه
السياسات الأمريكية منذ تأسيسها.
وحين
يقترب المتابع من موقف السيد (أبو مازن)،
الوديع جداً والخجول جداً، والذي
أوقعه خجله في كثير من الأخطاء غير
المقصودة، يجد أن اليهود، ودعونا منذ
الآن نجاري الرئيس بوش فنسقط مصطلحات (صهيونية)
أو (إسرائيلية) مادامت الرغبة
الأمريكية كذلك، قد
ربحوا رئيس وزراء جديد يضع في رأس
أولوياته حمايتهم، وتخفيف معاناتهم
التي لم تخففها حتى الآن الملايين
الأمريكية والمجازر الشارونية،
وبالمقابل حظر التبرعات والمساعدات
على الشعب الفلسطيني المقاوم حتى يموت
قتلاً وجوعاً. فشارون يقتله وأبو مازن
يجوعه تحت ذريعة منع المدد للإرهابيين
يقصد (المقاومين). أبو مازن شديد الخجل
شديد الاحترام لم يذكر عذابات
الفلسطينيين في مخيمات الشتات منذ نصف
قرن وهم يعيشون في بيوت الصفيح
ويستعفون بالتراب دون أن يجدوا يداً
حانية تمتد إليهم أو تعوضهم، وإنما
تذكر /عذابات اليهود/ التي لم يصنعها
الفلسطينيون ولم يصنعها العرب ولا
المسلمون، وإنما صنعتها عقلية خلفاء
بوش الذين تحكموا في العالم في النصف
الأول من القرن العشرين، وتحدثوا عن
الدولة (الآرية) المتفوقة كما يتحدث
بوش اليوم عن الدولة (اليهودية)، فتعهد
بالتفرغ لتخفيف هذه العذابات.
أما
الشهي الملق في الوجبة الأمريكية
السريعة، فهو الحديث عن (الدولة
الفلسطينية). والدولة الفلسطينية كما
أرادها بوش في قمة شرم الشيخ (أراض
متصلة..) وهذه الدولة بهذه الضبابية
المعلقة ماتزال وهماً عالقاً بالوعد
الأمريكي، وبإمكاننا أن نتصور أن هذه
الدولة متعددة المجسمات أو المجسدات
فدولة في رأس شارون اليوم، وأخرى في
رأس بوش اليوم، وثالثة في راس أبي مازن
اليوم، ودولة رابعة يتطلع إليها الشعب
الفلسطيني.. وقولنا اليوم يعني أن
تداعيات الأحداث قد تتيح لشارون وبوش
أو لمن يخلفهما أن يدخلا الكثير من
التعديل والتطوير على ما يتخيلاه
اليوم. هذه حقائق عن الخارطة تم
التعاطي معها في قمة البحر الأحمر.
ويبقى السؤال الذي يردده أبو مازن
وفريقه: أليس هذا الشيء خيراً من لا شيء
؟!! والجواب طبعاً عند الشعب
الفلسطيني وعند العرب وعند المسلمين.
7
/ 6 / 2003
|