برق
الشرق
من
يحمي الخطوط الحمراء بل من يفرضها
الإدارة
الأمريكية مطمئنة أن أحداً في العالم
العربي لا يفكر أن يقول لها: لا، ولو أن
يتمعر وجهه في سياساتها. وهي لذلك تطلق
المدى لشارون ليفعل في المقدسات
الفلسطينية وفي اللحم الفلسطيني وفي
الأرض الفلسطينية ما يشاء.
العجز
العربي لا ينبع من تقدير موضوعي
للإمكانات العربية، وإنما ينبع من
حالة نفسية تلبست الأنظمة والقيادات
فصارت إلى وضع يذكرك بقول عنترة: أضرب
الجبان ضربة فينخلع لها قلب الشجاع. فكيف وقد ضربت
الإدارة الأمريكية من ادعى الشجاعة من
هذه القيادات، فما بالك بما حصل في
قلوب الآخرين ؟!
حين
يخترق شارون كل الخطوط الحمراء، فيسمح
لليهود بتدنيس الأقصى ثم يقصف المساكن
الفلسطينية على رؤوس سكانها، ثم يتبع
سياسة الاغتيال القذرة مع القادة
السياسيين للمنظمات، ويتوج ذلك
بمحاولته اغتيال الشيخ أحمد ياسين
وغيره من القيادات، ويأتي أخيراً لا
آخراً قرار الحكومة اليهودية طرد
الرئيس عرفات من فلسطين.
إن
مسلسل التجاوزات الشارونية لا نهاية
له، والإغراق في الصمت العربي الرسمي
والشعبي مما يثير العجب، والتواطؤ
الأمريكي (الصليبي) مع الصهيونية
العالمية يبدو واضحاً ليس في لحن القول
فقط، وإنما بصراحته الفجة المقززة،
التي ينضم إليها موقف الاتحاد
الأوروبي الأخير من المقاومة
الفلسطينية، والذي يعني تجريم حركة
التحرر العالمي ليس حاضراً فقط وإنما
في جذورها الضاربة في أعماق التاريخ.
هل
ثمة خطوط حمراء على الساحة في مواجهة
التصرف الأمريكي والصهيوني ؟! هل
يستطيع القادة العرب أن يقولوا بصوت
واحد للرئيس الأمريكي لقد طفح الكيل، و(امتلأ
الحوض وقال قطني)، وتجاوز السيل الزبى،
وبلغ الحزام الطبيين ؟! من يفرض هذه
الخطوط الحمراء، ومن ثم من يحميها ؟!
يستطيع
القادة العرب أن يخاطبوا الولايات
المتحدة بصوت وزير خارجية واحد، أو
بصوت الأمين العام للجامعة العربية لا
بلغة (التوسل) و(الرجاء) كما عبر أحدهم،
وإنما بلغة الحزم والجزم التي تقلب كل
المعايير.
يستطيع
القادة العرب، أو المتحدث باسمهم أن
يعلنوا بصوت واحد انسحابهم من (عملية
السلام) نظرياً وعملياً كما انسحب
شارون منها، يستطيعون أن يعودوا إلى
المربع الأول الذي كانوا عليه قبل حرب
تشرين (التحرير) أو (التمرير) سمها ما
شئت، والتي كانت البوابة إلى كامب
ديفيد وإلى كل البلاء الذي نحن فيه !!
وحتى
اتفاقية (كامب ديفيد) (المصرية ـ
الصهيونية) على ما كان فيها اعتُبرت
جزءاً من اتفافية سلام شامل يتمرد
شارون اليوم على الوفاء ببعض
التزاماتها، وهذا يجعل مصر في حل من كل
التزاماتها، إذا كانت تفكر فعلاً في
إطار القانون الدولي، واحترام
الاتفاقات الثنائية.
أما
سورية التي لا تزال تبكي (خيارَها
الاستراتيجي) فلا نظنها نالت بهذا (الخيار)،
ومنذ أن انخرطت في مدريد فوماً ولا
عدساً ولا بصلا ولا قثاء ! فلا ندري ما
أصبرها عليه ؟!
نؤكد
أن موقفاً عربياً جماعياً من هذا النوع
كفيل بأن يغير المعادلة، وأن يقرع
الجرس، ولكن لمن تقرع الأجراس ؟!
16
/ 9 / 2003
|