لماذا
لا يفجر الكوريون أنفسهم ؟!
نتيجة
وصل إليها توماس فريدمان في مقاله في
نيويورك تايمز والذي نقلته (الشرق
الأوسط) في 26/1/2004، ممتطياً سياقاً
مادياً في التفكير والتحليل. فريدمان
يتوقف عند حقيقة صارخة ليقارن: 370 براءة
اختراع سجلت في العالم العربي خلال
عشرين عاماً مقابل (16328) لكوريا. مقارنة
تشعرك بالهوان والذلة، دون أن تكون
قادراً على تسويغها. شيء مخز بالفعل
لأمة ذات خلفية حضارية وقدرات مادية
ومعنوية لا يمكن أن تكون موضع نكران.
ربما
الذي يغفل عنه السيد فريدمان أن الأمة
التي يتحدث عنها قد قُطِعت منذ مطلع
القرن العشرين من أصلها وألقي بها في
مستنقعات الحرب والاستبداد والريبة
التي لا ترحم. فمع أن هذه الأمة قد
أحرزت النصر المبين في الحرب العالمية
الأولى، وكان المقرر أن تقتسم الكعكة
مع المنتصرين، إلا أنها تحولت بفضل غدر
حلفائها إلى كعكة وأريد لها أن تبقى
كذلك.
لو
جردنا الحالة الفلسطينية من هويتها،
وتحدثنا (بدون عرب أو يهود) عن أرض
تغتصب، وشعب يشرد، بإرادة دولية
قاهرة، ثم
يتحول المغتصب إلى عامل قلق وتهديد
لكان عذراً لهؤلاء المشغولين باللص
الصائل عن أي عمل وإنجاز.
عملية
إرهابية واحدة نفذت على أرض الولايات
المتحدة منذ ثلاث سنوات جعلت الرئيس
الأمريكي يقوم، ويقوم العالم كله
بقيامه حتى الساعة،
ويشكل حلفاً عالمياً لنصرته ومؤازرته
ومن موقع القوة يصرخ الرئيس: من ليس
معنا فهو ضدنا، فيكون العالم كله معه
رغباً أو رهباً.. ولكن عمليات القتل
اليومي وهدم الدور وتشريد الأبرياء
وقلع الأشجار.. كل تلك الأفعال لا ينتظر
منها أن تستهلك طاقة شعب مستضعف يقتل
أو يرى أبناءه عياناً يقتلون. حتى
أصبحت مشاهد القتل، قتل أحبابنا
وأبنائنا، جزءا من وجباتنا اليومية،
يظن فريدمان أنه من السهل علينا أن
نعتاد عليها وأن ننجز على موسيقاها.
يطالب
فريدمان بتقديم حلول لمشكلات البطالة
والفقر وفتح أبواب العمل أمام شباب
المنطقة. وهي مطالبة كريمة، ولا بد أن
يكون لها جدواها في بناء موقف عام. ولكن
ليسمح لنا السيد فريدمان أن نقارن بين
حجم التهديد الذي يشعر به المواطن
الأمريكي من تنظيم القاعدة، التهديد
الذي تستنفر لحياطته قوى العالم أجمع ؛
وحجم التهديد الذي يشعر به ابن نابلس
أو القدس أو القاهرة أو دمشق نتيجة
امتلاك شارون أسلحة دمار شامل كفيلة
لمحو هذه العواصم عن الوجود في لحظات..
وإذا كان تنظيم القاعدة يرتكب في الشهر
عملية إرهابية صغيرة ومحدودة فإن ما
يرتكبه الصهاينة المدعومون من الإدارة
الأمريكية هو فعل يومي له طابع
الديمومة والاستمرار.
هل
يريدنا السيد فريدمان أن نطمئن إلى بوش
أو شارون ؟ هل يريدنا ألا نشعر بالقلق
من وجود هذه الأطنان من الأسلحة
المدمرة فوق رؤوسنا ؟! وإذا كان الأمر
كذلك، فلماذا يشعر الرئيس الأمريكي
بكل هذا القلق مع أن كل ما يمكن أن
يفعله أي تنظيم إرهابي ضد الولايات
المتحدة أو أحد حلفائها لا يعادل نسبة
الإنجاز العربي إلى الإنجاز الكوري !!
وأخيراً
فقد كان الاستبداد أساساً للمشروع
الغربي الذي أطبق علينا منذ هزيمتنا
الحقيقية التي تمثلت في حلفنا مع الغرب
في الحرب العالمية الأولى. كانت تلك
هزيمتنا التي لم نخرج من عثارها حتى
اليوم، وبالتالي فنحن ندرك الواقع
المزري الذي نعيش، وندرك أنه ثمرة مرة
للزرع الغربي المباشر أو بأيدي
الوكلاء. .والمعركة المفروضة علينا،
سيد فريدمان، هي معركة الدفاع عن
الوجود المهدد.
27
/ 1 / 2004
|