لم..
ولن نحاور أحداً
في
شأننا الداخلي
مفهوم
الكلام، لا منطوقه، يؤكد أن الرئيس
بشار الأسد قصد بقوله (لم.. ولن نحاور
أحداً في شأننا الداخلي)، أننا لن
نحاور جهة خارجية في هذا الشأن
فسياستنا الداخلية ينبغي أن تنبع من
رؤيتنا وأن تنفذ بإرادتنا. ومفهوم
المخالفة في هذا السياق كما يقول
الأصوليون، أنه إذا كان الحوار في
الشأن الداخلي، مع القوى الخارجية،
محظوراً فإنه مع القوى المجتمعية
والمدنية والسياسية الداخلية واجب
مطلوب.
الذي
يلحظه المراقبون أن سورية لم تشهد منذ
نصف قرن (ورشة عمل) أو (خلوة سياسية) أو (خيمة
جامعة) تلم كل أطراف الطيف بتمثيل
حقيقي، غير مصطنع، لتبحر في فضاءات وعي
الذات، والتفكير الجمعي المستنير في
حاضر الوطن ومستقبله.
حتى
الحزب الذي دعي قائداً، ووضعت بيده
الوصاية على الدولة والمجتمع، مع
إشكالية هذه الوصاية، لم تتح لقياداته
مناخات لقاءات حقيقية وحرة، تنفذ إلى
صميم الواقع وتعبر عما ترتأي من حلول.
وشكوى القيادات الحزبية في هذا الشأن
أكبر من أن نشير إليها!!
وكذا
الأمر على صعيد الجبهة الوطنية
التقدمية، فمع اختزالية التمثيل
ووهميته، فإن أحزاب الجبهة مجتمعة أو
قواها المنفردة لم تمارس قط منهجية
تفكير في إطار التخطيط والقرار
والرقابة على التنفيذ!!
إن
الحقيقة الأولى التي ينبغي أن يعترف
بها الجميع أن (الوطن)
أكبر من أي مؤسسة من مؤسساته، وأن
القطر بجماهيره ومثقفيه وقواه المدنية
والسياسية أكبر من أي حزب وأية جبهة.
وحين
يعلن رئيس الجمهورية، مؤيداً من
المواطنين، عن رفض الحوار مع الآخر في
الشأن الداخلي ينبغي أن يكون قد سبق
إلى نصب خيمة الحوار الوطني، وأطلق
بطاقة الدعوة إلى جميع الأطراف.
من
المخجل أن يضطر السوريون إلى التداعي
للحوار خارج حدود وطنهم، وهم جميعاً
متفقون على الصون الوطني في دائرة
التعاطي مع الشأن الخارجي. والحوار
الوطني في كل اتجاهاته مطلب عزيز
للتقارب والتآلف، وإزالة الوحشة ومن
ثم التوافق والاتفاق. وهو مطلب لا
ينبغي أن ترعاه الدولة فقط؛ وإنما
ينبغي أن تدفع إليه وتعين عليه لأن
التوافق أو الاتفاق الوطني لا يمكن أن
يكون إلا في مصلحة الوطن حاضره
ومستقبله.
لقد
مضى زمن تشكلت فيه التصورات الوطنية
المتناقضة على الوهم أو الانفعال
وأحياناً على سوء الفهم والبعد عن
الواقع.. والحوار العقلاني الهادئ
والموضوعي هو وحده الكفيل بإزالة كل
هذه العوامل، ووضع حدود الاختلاف في
التصور أو في الرؤية في أبعادها
الحقيقية، وفي هذا وحده مكسب للوطن وأي
مكسب.
إذا
أكدنا على رفض ما رفضه رئيس الجمهورية
بشأن الحوار في إطار (لم.. ولن)، فإننا
نؤكد، من جهة أخرى، على وجوب المبادرة
إلى رفع خيمة الحوار الوطني، لتكون
مناط الإرادة المانعة لتسرب إرادات
الآخرين.
26
/ 5 / 2004
|