مـاذا
لـو؟
حوار
في الهواء مع ابن لادن
مع أن (لو) حسب
شريعتنا تفتح عمل الشيطان، وأن المسلم
مطالب دائماً أن يقول: (قدر الله وما
شاء فعل). فإننا نرى من حق الفهم
الدعوي السليم علينا أن نناقش (الظواهر)
و(المواقف) بالأسلوب العلمي المنطقي
الذي يحيط بكل واقعة في سياقاتها
التاريخية العامة والخاصة..
ولما كان (أسامة
بن لادن) و(أيمن الظواهري) ومن معهم
يمثلون (موقفاً) و(فهماً) أكثر من
تمثيلهم لأشخاصهم، فمن حقنا أن نجري
هذا الحوار في الهواء الطلق معهم، حوار
من طرف واحد، نتمنى لو يصل إليهم، ولكن
المقصود بالدرجة الأولى من وراءهم من
أبناء الأمة في كل مكان...
وقاعدة حوارنا
هذه مستندة إلى وصية الإمام علي رضي
الله عنه، لعبد الله ابن العباس حين
أرسله لحجاج الخوارج فقال له ( لا
تجادلهم بالقرآن، فإنه حمال أوجه..)
ولذا فمما يتبدى لنا أن الشيخ أسامة
ومن معه لم يُصغوا كثيراً إلى الحجج
الشرعية التي ساقها علماء ثقاة في
تحريم الاندفاع وراء القتل العشوائي
للنفس الإنسانية، وترويع الآمنين،
وأخذ البريء بجريرة المجرم، وتحميل
الإريسيين (العامة) إثم هرقل، مع أن
الرسول صلى الله عليه وسلم حمل هرقل
إثم الإريسيين (العامة)، ولذا فإننا
سنعرض عن الخوض في مسالك مثل هذه
الحجاج..
وسنعود إلى مسلك
آخر، ربما تتضح منه حقيقة المراد بصورة
أنصع وأقطع مقدمين لذلك: بقاعدتين
شرعيتين:
الأول وهي حديث
شريف يعتبر موضع اتفاق وإجماع في قوله
صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال
بالنيات. وحقيقة أن النية الصالحة
وحدها لا تكفي لنيل الأجر واستحقاق
الشكر، فقد نص العلماء على أن الله لا
يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاُ
وصواباً (ابن تيمية، وابن رجب، وابن
القيم) وهم من أعلام الحنابلة الذين
يتفقه أهل الحجاز عموماً على مذهبهم.
والقاعدة
الثانية، هي أن الأعمال بخواتيمها، أي
بما ينشأ عنها من نتائج، وما تخلفه من
آثار، وهي قاعدة شرعية معتبرة أيضاً
كاعتبار الأولى، فلا يجوز تغيير منكر
صغير والصيرورة إلى منكر أكبر منه،
ودفع مفسدة صغرى للوقوع في مفسدة أكبر
منها وأدهى. ولعل هذا من أبجديات الفقه..
ولو تأمل ابن
لادن ومن عن على طريقته في الفهم،
ولمدرستهم جذورها التاريخية منذ صدر
الإسلام، ما أوصلوا المسلمين إليه،
لكان حقاً على كل رشيد منهم أن يقول: (لو
استقبلت من أمري ما استدبرت..)، وأن
يأخذ بمقولة ابن الخطاب رضي الله عنه،
في أن (الرجوع إلى الحق أولى من التمادي
في الباطل).
ونعود إلى
العنوان الذي طرحناه لنتساءل: ماذا لو
أن أسامة بن لادن، وهو الذي يملك هذه
الحرقة الطيبة على الإسلام، والرغبة
الأكيدة في نصرته، وهذه الثروة
الطائلة التي أحب أن ينفقها في سبيل
الله، ماذا لو جند أسامة كل هذه
القدرات في إقامة إمبراطورية إعلامية
دعوية في قلب الولايات المتحدة ؟!ماذا
لو أرسل كلمة الإسلام الطيبة إلى روؤس
الأمريكيين بدل الحمم القاتلة التي
صبها على أجسادهم ؟! ماذا لو حمل بين
يديه الشعار القرآني عن محمد نبي (الرحمة)
وجند له الأجناد، وبث الدعاة، وجعل
الناس يتعرفون على الوجه الحقيقي
لقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين)، (وقولوا للناس حسناً) (ولا
تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن..)
؟!
ماذا لو أن أسامة
أنفق جهده وثروته للتأسيس للوجود
العربي الإسلامي في قلب أمريكا،
ليزاحم اللوبي الصهيوني فيكفؤه أو
يرجحه، ويضيف إلى قوة الحق قوة المادة
التي يفقهها القوم ويتفاضلون على
أساسها ؟!
ماذا لو أن أسامة
أنفق جهده وثروته لإقامة فضائية
إسلامية: عربية وغربية، توظف أساليب
الخطاب الحديث في الدعوة إلى الله،
والدفاع عن قضايا الأمة، وفي تثبيت
المؤيدين وكسب المخالفين، وكل هذا من
فروض الكفايات التي ربما لا يستطيعها
إلا الآحاد من المسلمين ؟!
نقول هذا، ونحن
نعلم أنه قد سبق السيف العذل، لننهج
السبيل أمام الكثير من المكبوتين
المقهورين، الذي يستفزهم الظلم والقهر
فيندفعون في غير طريق، وليعلم الجميع
أن أمر هذه الدعوة معقود بالصبر الجميل
(فاصبر صبراً جميلاً) وأن الطريق
إلى الأهداف والغايات محفوف بكظم
الغيظ والعفو عن الناس، والتزام جانب
الإحسان..
وندرك أن لكل
كلمة نكتبها في هذا المقام عند أصحاب
الفهم الآخر ما يقابلها، ولكن الحكمة
كل الحكمة في وضع الأمور في نصابها..
ولو أن أسامة فعل
بعض ما أشرنا إليه، لربما كان للمسلمين
ولقضاياهم في العالم اليوم شأن آخر.
|