ما
الدين ؟ وما السياسة ؟
الثنائية
الكلاسيكية في مقابلة (الدين ـ السياسة)
تنبني أساساً على فهم تقليدي قالص لكل
من الدين والسياسة. وهي ثنائية تذكر
بأختها سادت في عصر مضى ولا سيما في
القرن التاسع عشر تضرب الدين بالعلم أو
العلم بالدين.
المقولة
في إطارها التاريخي (فصل الدين عن
السياسة) إنما أطلقت لانتزاع سلطان
أشخاص بأعيانهم هم رجال الكنيسة أو (الإكليروس)
عن الدولة، فقد كانت البابوية في الغرب
سلطة مادية تكرس ملوكاً وتعزل آخرين،
ومن هنا جاءت المقولة، وأصبحت عنواناً
لعصر في موطنها، ومن ثم تحولت إلى مطلب
هلامي رجراج خارج إطارها الزماني
والمكاني.
فعندما
يكون الدين مرجعية قيمية عليا تضبط
الفكر والسلوك والموقف تعني عبارة (فصل
الدين عن السياسة) فصل السياسة عن
القيم والأخلاق بمعانيها السامية،
لتتوحل الإنسانية في مستنقعات ما حصل
في (أبو غريب) من قبل ومن بعد، وحتى لا
نظهر بمظهر المشنع على المخالف، نبادر
إلى التقرير بأن أحداً من الأسوياء
الذين يرددون هذه العبارة لا يقاربون
هذا المعنى قط. ولا يريدون سياسة بلا
قيم ولا ضوابط ولا أخلاق.
وحين
يكون الدين منظومة تشريعية ترتكز في
أساسياتها الأولى على حقائق العدل
والمساواة وحب الخير للناس وتدور حول
محورها الأساس في مراعاة المصالح
العامة للناس، فأي معنى لعزل مثل هذه
المرجعية التشريعية عن واقع الناس
والإلقاء بهم في دوامة الأهواء لأصحاب
الرغائب والرغبات؟!
السياسة
في أصلها فعل إنساني، وهي إحدى منظومات
السلوك البشري. وحقيقة أنها تكون
أحياناً جمعية أو عامة أو مؤسساتية لا
يمنع أبداً أنها تتلقى فيضاً من شخصية
صاحبها.. نتوقع أنه لو كان الرئيس بوش
الابن مديراً لأزمة الصواريخ الكوبية
في الستينات لكان العالم اليوم في طيات
الخراب.
الدعوة
إلى عزل الدين عن السياسة ما هي إلا
محاولة مغلوطة لتجريد الفعل الإنساني
من الضابط والمقوم ومن نقطة الارتكاز
الحقيقية التي تقوم على القانون
الطبيعي في أصل الفطرة والقانون
الشرعي الذي يؤكد أن قتل النفس، بغير
نفس أو فساد في الأرض، كالذي يفعله بوش
وشارون، هو قتل للناس جميعاً.
وحين
يكون المقصود بفصل الدين عن السياسة
إزاحة سيطرة فئة من الناس تعلن وصايتها
على الدين لتصادر السياسة، ولتردد على
مسامع الناس (ما أريكم إلا ما أرى)
متجلببة بجلباب القداسة الكهنونية..
فعندها يكون للحديث معنى آخر وبعد آخر
لأن المقصود سيكون تخليص السياسة من
الاستبداد في شكل نمطية أخرى من
نمطياته، الاستبداد الذي نرفض جميعاً
ونكره جميعاً.
27
/ 5 / 2004
|