محنـة
الإعلام العربي
هل
يصلح العطـار ؟
(على
هامش مؤتمر الإعلام العربي رؤية شاملة)
اختتم
في دمشق (مؤتمر الإعلام العربي رؤية
شاملة) الذي أقامته وزارة التعليم
العالي في سورية. نتساءل غير بعيد عن
أجواء المؤتمر وتوصياته: هل أزمة الأمة
حقيقة هي أزمة إعلام ؟ مع أن البعض ادعى
ويدعي: أن العرب ظاهرة صوتية ليست أكثر
؟!
أن
تُضبط قواعد الخطاب الإعلامي العربي،
وتفتح آفاقه، وتُضفى عليه عباءة
المصداقية تلك أمور لا تحتاج إلى
مؤتمرات وتكرارات واتفاقات.
ولكن
ألا نشعر جميعاً أن المطلوب من الإعلام
العربي، والإعلام الرسمي بشكل خاص،
أمر أكبر من طاقته، بل نقيض ما يحفظ له
مهابته ووقعه ؟!
يذكر
الكثيرون (أحمد سعيد) ويعتبرونه ظاهرة
إعلامية تاريخية في العصر الحديث، ثم
قرنوا به أخيراً وزير الإعلام العراقي
(محمد سعيد الصحاف). بتقويم مهني مجرد،
كان أحمد سعيد ظاهرة إعلامية فذة. وكذا
يمكن أن يشار إلى محمد سعيد الصحاف،
وبحسب الأول أن تعليقه على الأنباء في
إذاعة صوت العرب كان يفرض حالة من منع
التجول في شوارع العالم العربي من
المحيط إلى الخليج. إذا كانت مهمة
الإعلامي أن يستقطب فقد استقطب أحمد
سعيد، وإذا كانت مهمته أن يؤثر فقد كان
أحمد سعيد مؤثراً (نقرر هذا بغض النظر
عن موقفنا من قضايا الإيديولوجيا
والفكر..) ويمكن أن نقول الشيء نفسه
بشأن محمد سعيد الصحاف الذي كان أجرأ
مقاتل في تركيبة النظام المختل.
المشكلة
لم تكن قط عند رجل الإعلام العربي،
وإنما كانت حقيقة عند (السياسي) وعند (العسكري)
عند صانع الحدث الذي خذل صانع الكلمة.
المأخوذ بما جرى على أرض مصر في
السابعة والستين ليس (أحمد سعيد)، وهو
الذي استُضعف فأُكل، وإنما المأخوذ
صناع القرار وصناع المواقف الذين كان
أحمد سعيد يناضل عنهم.
في
عالم عربي يعج بالمتناقضات والعورات
والوهن والغثائية والفساد.. يُطلب إلى
الإعلامي أن يغطي على كل هذه السوءات
بالكلمة الساترة، وبالعبارة اللائقة،
فماذا سيفعل حامل القلم أمام تخاذل
حامل السيف ؟!
يعيش
الإعلامي العربي في محنة حقيقية بين أن
يقول ما يرى ويعتقد فينضم إلى صف
المخذلين والمثبطين والمرجفين، لأن
الواقع الذي يراه غير قابل للتغطية إلا
بأطنان من الكلمات الزخرف، وإما أن
يرقع الخرق المتسع على حساب شخصيته
ورؤيته، وبين هذا المسلك وذاك يتم
إنجاز هذا الإعلام الذي يرجمه
الكثيرون بما يصل إلى أيديهم.
قال
بنو تميم لشاعرهم وفارسهم سلامة بن
جندل: يا سلامة قل فينا (أي امدحنا) فقال:
يا بني تميم افعلوا حتى أقول.
وقال
آخر:
فلو
أن قومي أنطقتني رماحهم
نطقت ولكن الرماح أجـرّت
ولو
انتحر التتار على أسوار بغداد حقاً
لكان الصحاف بطلاً من أبطال البلاغة
والبيان. تطوير الواقع العربي أساس
تطوير الإعلام.. فمن العبث أن ننشغل
بالتابع عن المتحول.
22
/ 1 / 2004
|