مغتربو
وزارة المغتربين
والمغرَّبون
المنسيون
اختتم
المؤتمر العام لروابط المغتربين
السوريين في أوروبا أعماله في بون /السبت
24/4/2004/ بحضور الدكتورة بثينة شعبان
وزيرة المغتربين، وممثلي روابط
المغتربين التابعين للوزارة من ثمانية
عشر بلداً أوروبياً.
وسبق
للدكتورة بثينة شعبان أن قامت منذ أشهر
بزيارة طويلة الأمد إلى الولايات
المتحدة لتوثيق العلاقات مع الجالية
السورية هناك، وذلك إبان احتدام
المناقشة في الإدارة الأمريكية حول
قانون محاسبة سورية.
لا
يستغرب أن تتعهد أي دولة رعاياها
الأقدمين، أو جالياتها المختلفة في
هذا العالم، بل ربما يكون هذا بعض
واجباتها. حاجة سورية إلى أبنائها
المغتربين متعددة الوجوه منها الحضاري
ومنها الثقافي ومنها السياسي ومنها
الاقتصادي.
وكنا
قد قدرنا منذ تشكلت وزارة المغتربين مع
وزارة الدكتور العطري، أنها ستكون
نافذة طبيعية على جميع أبناء سورية في
الخارج، وأن المظلة التي ستنصبها
ستشمل بطريقة تلقائية (المُغرَّبين) أو
المهجرين القسريين الذي يشكلون حالة
سياسية وإنسانية برقم خماسي الأصفار
يستغرق ثلاثة أجيال من المواطنين..
والذين تتقدم مشكلتهم، لأسباب لا تخفى
على قضية ذاك الذي هجر وطنه طلباً للظل
بكل أطيافه. لا
نملك أن نسقط التمييز بين مواطن راغب
في وطنه وآخر راغب عنه. بين من يسعى إلى
وطنه وبين من يتلهى عنه، وبين من يرى في
وطنه وجوداً لا يبرح قلبه ووجدانه وقد
ضحى ومايزال مستعداً للتضحية من أجله:
بناء ومجداً، وبين من ينظر إليه كمتنزه
مترف يتطلع إليه هو أو أبناؤه في إجازة
سنوية.
لكن
السيدة بثينة شعبان وزيرة المغتربين،
ومنذ أن قامت وزارتها أسقطت هذا الفرق،
بل عكست المعادلة عن عمد وتصميم،
وأعلنت اختصاصها في دائرة المغترب
الخاص، وأسقطت من حساباتها المغرَّب!!
انتقت مهاجراً على المقاس الذي تريد،
فدعته إلى المحافل، وأسست من أجله
الروابط، المهاجر الطوعي الذي هجر
وطنه إلى الظل الحضاري أو الثقافي أو
الاقتصادي، وتناست المهجَّر القسري
الذي لم تقنعه كل إغراءات الأوطان
الأخرى على سعتها وتعدد ألوان طيفها،
عن حيه الشعبي، أو قريته التي لم يصلها
حتى الآن طريق معبد أو عمود كهرباء أو
ماسورة ماء. معادلته أنه خلق لوطنه
ليبنيه لا ليستمتع بأوطان جاهزة بناها
الآخرون!! يحن إلى وطنه لأنه يريد أن
يكون هناك ليرفرف مع طيور المحبة
وسواعد الإنجاز، ليزرع الأرض، ويعبد
الطريق، وينير القرية، ويدير الآلة،
ويمد ماسورة الماء الذي ربما لن يشرب
منه إلا أحفاده. يحلم بشجرة الزيتون،
وموسم الحصاد وقطعة (المخمل الأزرق)
التي طالما حلمت بها فيروز ومازال
الحلم تنقله الجدة إلى حفيدة. يحلم
بوطن حر أرضه وسماؤه إنسانه وجولانه.
هذا
الفريق من المواطنين السوريين هو
المنسي، هؤلاء الذين يجسدون حالة
وطنية في صميم المجتمع السوري، فكل
واحد من هؤلاء تتفطر من أجله قلوب،
وتدمع لفراقه عيون مع إطلالة كل فجر أو
غياب كل شمس، رقم خماسي من الأمهات
تفيض أعينهن من الدمع كلما ذكرن.. وعدد
مماثل من شواهد القبور تنتظر الغائب
الذي لم يحضر ساعة الوداع، وقرى وعشائر
وبلدات وعائلات في مجتمع الأسرة
الكبيرة الذي نعيش، كل أولئك ينتظرون
المغرّبين الذين يرزحون تحت قوانين (التغريب
القسري) بأبعادها السياسية والأمنية.
وهم من سياسات وزارة المغتربين في عماء!!
لا نجد وسيلة شعرية لتصوير
الفرق بين أمّين: أم تنتظر بشوق ولهفة
ولدها المشغول عنها وهو بالتالي لا
يريد أن يعود.. وأخرى تنتظر ولدها الذي
حيل بينها وبينه بسلك شائك من الظلم
والقسوة والاستئثار!!
بإعراض
لا ينتظر من عاقل تقول وزيرة أو وزير (ليس
لدينا مهجرون قسريون وإنما هناك أصحاب
قضايا جنائية)!! مما يعني أن ثلاثة
أجيال من المغربين القسريين قد ولدوا
مع الخطيئة، ويعني أنهم بحاجة حسب
المنطق المعروض إلى مخلِّص جديد يكون
فداء للخطيئة الأولى التي أخرجت آدم من
جنته أو أباهم أو جدهم من وطنه، يقولون
هذا ثم يظنون أنهم مثقفون ومنفتحون
وتقدميون!!!
تصورنا
لأشهر أن من شأن وزارة المغتربين
العتيدة أن (تسر حسواً في ارتغاء)، وأن تبادر تحت لافتة
معالجة شؤون المغتربين إلى فتح أبواب
الوطن أمام الجميع، تفاعلاً مع الظروف
(الدولية) و(الإقليمية) واشتداد حاجة
الوطن إلى (أبنائه) وإلى (وحدته)، ولا
سيما وأن هؤلاء المغرَّبين مع شدة
المعاناة وعظيم البلوى، ما بدلوا ولا
هانوا.
تصورنا
لأشهر خلت أن يعاد تقويم المواطن على
أساس الانتماء والولاء للوطن، وليس (للحزب)
أو (الشخص) أو (النظام) أو (الفئة)، ولكن
تصوراتنا على الحقيقة كانت ترتع في
مروج ربيع رومانسية صدمتها في حلمها
عاصفات الشمال القارصة.
حين
نمر على مقررات مغتربي وزارة
المغتربين حسب جريدة (البعث) من بون نجد
أن شمس الوزارة التي أشرقت ميتة لا
تدفئ غير الموتى..!!
فماذا
يريد المغترب الذي آوى إلى أوطان (خمس
نجوم) من وطنه، حسب رسالة جريدة البعث
من بون، وبإشراف السيدة الوزيرة،
دائمة الحديث عن قضايا الوطن الكبرى:
ـ
إلغاء ضريبة الاغتراب.
ـ
تخفيض بدل خدمة العلم.
ـ
تخفيض أسعار بطاقات الطائرة على شركة
الطيران السورية ليتمكن المغتربون من
إرسال أولادهم لزيارة الوطن (الأم).
ـ
طريقة أكثر عصرية لتجديد جوازات سفر (تأمل
تجديد وليس منح مع أكثر من مائة ألف
مواطن سوري محرومين من هذا الجواز).
ـ
تخفيض رسوم الجواز التي يدفعها
المغترب.
ـ
فتح وتوسيع صالات الاستقبالات السياحي
للمغتربين.
ـ
إعداد خارطة سياحية عليها الأماكن
السياحية.
ـ
تطوير المطارات.
ـ
إنشاء ناد سوري وناد عربي في بلدان
الاغتراب.
(وقد
تعهدت وزيرة المغتربين ـ حسب الجريدة
إياها ـ بتقديم كافة السبل ومتابعة
تنفيذها عبر الوزارة مع المؤسسات
والجهات الحكومية المختصة، معتبرة بأن
وزارة المغتربين ما هي إلا عبارة عن
أسرة وفريق عمل متكامل ورديف لعمل
الجاليات العربية)!!
تأمل
ثم حدثني بالله عليك أين هو الوطن (المزرعة)
في تصور منظومة وزارة المغتربين، مع
الاعتذار المسبق لها إن كانت جريدة
البعث قد اختزلت أو شوهت مقرراتها!!
دعنا
نبحث في السياق عن عزة الوطن وكرامته
وتحرره وحريته؟! دعنا نتلمس فاتورة
الواجبات مقابل فاتورة الحقوق!! الذين
تذكروا ضريبة الاغتراب وبدل خدمة
العلم لم يتذكروا الجولان.. الذين
طالبوا بفتح صالات الاستقبال في
المطار لم يطالبوا بفتح أبواب السجون
ليخرج منها المواطن المنسي منذ ثلاثين
عاماً، لم يتذكروا رياض سيف ومأمون
الحمصي وعارف دليلة وأكثم نعيسة
والعشر الأفاضل، وجميع معتقلي الرأي
والضمير من أبناء شعبنا الذين يصرون
على رفع رؤوسهم في شوارع الوطن بدلاً
من أولئك الذين يحلمون أن يتسكعوا فيها!!
مرة
أخرى، لا نحمل المغتربين السوريين
مسؤولية الوهدة التي قذفتهم فيها
وزارة المغتربين أو صحيفة البعث التي
نقلنا عنها التقرير!!
قال
الحطيئة للزبرقان:
دع المكارم لا ترحل
لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
قال
الزبرقان لعمر دامعة عيناه: يا أمير
المؤمنين أما جعل من همتي إلا أن آكل
وأشرب..!! وهكذا فعلت وزارة المغتربين!!
ألم
يتمنى أولئك الذي يتمتعون برفيف
الحرية في عواصم الغرب أن ترفرف
أجنحتها على شوارع دمشق وحلب على
الساحل السوري وفي القامشلي والحسكة؟!
ألهذا
السبب ترفض وزارة المغتربين أن تدخل في
حساباتها ذاك الذي يفكر في الوطن قبل
أن يفكر في الذات؟! الذي يفكر ماذا يعطي
قبل أن يفكر ماذا يأخذ؟! الذي يتساءل:
ماذا يريد الوطن مني قبل أن يقدم
فاتورة استحقاقاته على الوطن؟! أولئك
النفر الذين يسألون عن الجولان وعن
طريق التحرير وكيفيته وساعته؟! هؤلاء
جميعاً في نظر وزارة المغتربين أصحاب
سوابق لا حاجة لها إليهم!!
27/4/2004
|