برق
الشرق
المقابر
الجماعية والتغطية الأمريكية
التحالف
مع الاستبداد ودعمه والتغطية على
جرائمه كانت هي الاستراتيجية
الأمريكية في المنطقة، منذ أن خلفت
الولايات المتحدة الغرب الأوروبي فيها.
(مادامت
الديمقراطية ستعزز قوى غير مرغوب فيها
أمريكياً فليكن الاستبداد بكل قسوته
وجبروته هو البديل..) تلك كانت الاستراتيجية
الأمريكية، التي مازال معمولاً بها في
كل مكان من بلاد العرب والمسلمين.
فالاستبداد وسيلة للسيطرة على شعوب
المنطقة، وكبح إرادتها، وهو في الوقت
نفسه نافذة للضغط على المستبدين،
فقد الولايات المتحدة جعلت من (الاستبداد)
الذي تتستر عليه وتغطيه ذريعة إضافية
للضغط على المستبدين، وتخويفهم من
شعوبهم، إمعاناً منها في سياسات
التركيع لمصالحها هي وليس لصالح (المبادئ)
ولا لصالح الشعوب.
تمسك
الولايات المتحدة بملفات (الجرائم
الإنسانية المخزية) أوراق ضغط تفتحها
عندما تريد، للحديث عن (الجريمة) وعن (حقوق
الإنسان) وعن البراءة المذبوحة بيد
المستبد وتنسى المباركة الأمريكية
التي تمت عملية الذبح تحت غطائها!!
ومادامت
عمليات القتل والطمر والسمل والتعذيب
تتم بعيداً عن الولايات المتحدة،
ولتحقيق مصالحها الرئيسية في وأد أي
معارضة للمشروع الأمريكي والصهيوني،
فإن الضمير الأمريكي (الرسمي) المأتزر
بإزار صهيوني دائماً، يستطيع أن يغضي
عن أي كارثة تنزل بالأعداء الحقيقيين،
طلاب الديمقراطية والحرية، مهما كان
عمق الخلافات بين الولايات المتحدة
وبين أولئك المستبدين ؟!
لو
كان ما نزل في شيعة الجنوب أو في أكراد
الشمال قد نزل بفئة مجتمعية، يهم
الولايات المتحدة أمرها، ولا ترضى لها
الظلم أو التهميش، هل كانت الولايات
المتحدة ستسكت عقوداً عن ممارسات
الاستبداد، ثم تفرك عينيها بعد حين،
لتمتطي طائراتها بحجة (تحرير الإنسان)
؟!
لو
أن ما جرى في سجن (تدمر الصحراوي) في
سورية في 27 / حزيران / 1980، أو ما جرى
لاحقاً من عمليات إعدام لعشرات
الآلاف، أو ما جرى في مدينة حماة في
شباط 1982، والذي تم كله تحت سمع
الولايات المتحدة وبصرها وحظي
بمباركتها، قد جرى مثلاً على الأقلية
اليهودية التي كانت تعيش في سورية، هل
كانت الولايات المتحدة ستقابل كل ذلك
بمثل هذا الصمت الرهيب ؟!
ألم
تكن قضية بضعة آلاف من المواطنين
السوريين اليهود، القضية الأولى على
جدول الأعمال (السوري ـ الأمريكي)، حتى
نزل الرئيس حافظ الأسد على رغبة
الولايات المتحدة فسمح لهؤلاء اليهود
جميعاً بالالتحاق بدولتهم الأم في
إسرائيل في سابقة خطيرة على صعيد الوطن
والإنسان ؟!
كل
أبناء سورية كما كل أبناء العراق كما
كل أبناء الوطن العربي لا يدخلون في
التعداد الإنساني حسب التقويم
الأمريكي إلا بعد أن يخلعوا جلودهم،
ويتجندوا في الطابور الأمريكي الخاص
أو العام.
رياض
سيف ومأمون الحمصي، عضوان من أعضاء
مجلس الشعب في سورية يعتقلان ويحاكمان
ويسجنان على أسس واهية باطلة فلا ترى
الولايات المتحدة في كل هذا العسف ما
يستحق التنويه ؛ بينما تتبنى قضية
الناشط المصري سعد الدين إبراهيم، إلى
حد أن تهدد الولايات المتحدة مصر بحرب
وحصار، وتكسر موقف السلطة القضائية
والسلطة التنفيذية التي على رأسها
الرئيس حسني مبارك نفسه.
ترى
لو كان كل إنسان في المنطقة العربية
والإسلامية بالنسبة للولايات المتحدة
هو (سعد الدين إبراهيم) نفسه هل كانت
ستمتلئ بطاح المنطقة بهذه المقابر
الجماعية؟! وهل كان سيمتلئ الغرب نفسه
بهذه الجموع من المهجرين والمهاجرين؟!
لو
كانت الحرية والديمقراطية سيدة الموقف
في بلاد العرب والمسلمين، ولو كان حكام
المنطقة يعبرون حقيقة عن إرادة شعوبهم
وعن مصالحها، فهل كانت ستقفز إلى سطح
المنطقة دائرة هؤلاء اليائسين، الذي
سدت الولايات المتحدة عن طريق عملائها
المستبدين عليهم كل نوافذ الحوار ؟!
بعض
الكتاب الأمريكيين وعلى رأسهم فريدمان
دأب منذ ظهور المآسي الفاجعة على أرض
العراق، يعير أمتنا (بالمقابر
الجماعية) التي نفذها إنسان المنطقة
بحق أخيه كما يرى هو ؟!
نذكر
فريدمان أن الاستبداد المفروض على
منطقتنا هو ضريبة أمريكية، وأن كل
جناياته، من غير تبرئة للمستبدين،
إنما هي خطيئة من خطايا الولايات
المتحدة. بأمرها قام المستبدون،
وبحمايتها حفروا لنا هذه المقابر.
19
/ 5 / 2003
|