صحيفة الشرق العربي

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الثلاثاء 15 - 04 - 2003م

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |   ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع | كــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |ـ

.....

   

رؤية

برق الشرق

الوطن ليس منفعة ولا مصلحة

إنه الروح واللحم والدم

(بثينة شعبان بعض البوح الصوفي !!)

الوطن ليس منفعة ولا مصلحة، إنه الروح واللحم والدم، إنه الماضي والحاضر والمستقبل، هو المئذنة وشجرة الزيتون، وعتبة باب كسرتها أقدام أبناء العشيرة ولوجاً وخروجاً. وهو التحدي، على الرأس المرفوع، بين الأمم والشعوب، والحضارة الفارعة في وسط الحضارات.

وعبيد الخصب لا يرون في الوطن إلا المنفعة والمصلحة، عبيد الخصب كما لقبهم شاعر الأندلس الغزال، لا يحسنون (الـكـر) كما قال عنترة، وإنما يحسنون (الصر)، بأساليبه المختلفة، كما رأيناهم وعايشناهم عندما تساءل الشعب العربي عن (الخيول...) أجابه راهب الدير بحكمته:

إن (الخيول) التي جئت تطلبها      بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا

رحلوا... كما رحل قيس بن زهير بعد داحس، وخلفوا العبء على (الكَمَلة) من بني عبس، على الربيع وعمارة ابني زياد وبقية إخوانهم الأربعة...

هذه الحقائق فجرتها بالأمس الدكتورة بثينة شعبان في (آفاقها)، على صحيفة تشرين، وعنونتها (بالسلم والحرب). على موضع الجرح وضعت الدكتورة إصبعها، وضغطت وهي في حالة وجدانية مطلقة فما درت (على أي جانبيها تميل) !!

وتعميماً للفائدة نكتفي بنقل ما تفجر على قلم الدكتورة في لحظة سكر عربية، وإن كان الحكماء قد قرروا أن (كلام العشاق في حال السكر يطوى ولا يحكى) ولكن يبدو أن بوح الدكتورة الوطني قد أخذ مداه.

في السلم والحرب

د. بثينة شعبان

في زمن السلم تنمو مع الأزهار والرياحين جميلاً متواضعاً، فيعانق عودك شمس البلاد، بينما تنغرس جذورك في التربة الجميلة التي تعشقها وتتواصل نياط روحك مع ذراتها لتعني بالنسبة لك الحب والوطن والإيمان. وفي زمن السلم تختار البقعة الأقل إنتاجاً وصلاحية من الأرض العزيزة عليك لتبني عليها كوخاً متواضعاً يؤويك وأسرتك حيث تملأ حنايا منزلكم المتواضع مشاعر الحنان والمودة والمحبة بدلاً من المفروشات الفاخرة. وفي زمن السلم تعمل في الريف والمدينة وتنتج وتشير إلى مواقع الضعف والخطأ كي تصلحها وكي يصبح الوطن أكثر قوة وعزة ومناعة. تسير على الطرقات لتعانق بشرتك شمس بلادك الجميلة فلا تأبه بالسيارات الفاخرة ومظاهر الغنى والتبجح لأن خياراتك مختلفة وأهدافك مختلفة وقيمك مختلفة ولكنك تعاني من هؤلاء القادمين الذين يشقون طريقاً عريضاً في واديك الأخضر الجميل بينما لا تبعد الأرض المقفرة عنك سوى بضعة أمتار، وتحاول إقناعهم أن أجدادنا جميعاً لم يبنوا منزلاً واحداً أو طريقاً في أرض زراعية خصبة تضاهي ألوانها ألوان الشفق الجميل، وتعاني من هؤلاء الذي يدعون الحرص على الوطن فقط لأنهم اكتسبوا تسميات مختلفة لا يستحقونها ولا يحاولون أن يستحقوها حتى بعد اكتسابها، وتعاني من هؤلاء الذين لا يأبهون بجمال شمس البلاد وقمر البلاد وتاريخ البلاد ويوجهون أنظارهم غرباً مبهورين بكل ما يأتيهم من هناك فيقتلعون أشجار المشمس البلدي ليزرعوا مكانها كتلاً اسمنتية قبيحة اللون والمنظر. وتعاني من كل ما يسيء للوطن وتشعر أنه لا حول لك ولا قوة إذ أن مهمتك العطاء والبناء ولا تعلم كيف يفتلون سواعدهم وينفخون أهميتهم ويضخمون من مكانتهم وقيمهم الشخصية كي يصبحوا عبئاً على الوطن ووبالاً عليه في بعض الأحايين، وليس أمامك خيار سوى الاستمرار في معاناتك أو المغادرة وهما خياران أحلاهما مر.

ولكن ما إن تنطلق صفارات الإنذار لتعلن أن البلد في خطر وأن الزمن الآن هو زمن الحرب لأن قوة ما قررت ولغاية تتعلق بمصالح مستكبريها، أن تهاجم ممتلكات وسماء وأرض الوطن، حتى تنتفض حيثما كنت، في الحقل أو المدينة أو المنفى وتعود إلى أرض البلاد حاملاً السلاح مستعداً للذود عن وطنك والموت من أجله. ما إن تشعر أن غرباء قادمون كي يدنسوا أرضك ويسرقوا خيراتك ويذلوا نساءك ويقتلوا أطفالك، حتى تنتفض وتضمد جراحاتك مهما كانت عظيمة وتنصهر في بوتقة واحدة مع التربة والشمس والقمر والكنيسة والجامع وتصبح مدافعاً شرساً ومقاوماً في خط النار الأول لا تأبه بأخطار ولا تخشى الضيم وتصبح تلك الحياة الهادئة الجميلة التي عشقت، ثمناً زهيداً تدفعه بجسدك وروحك كي يبقى وطنك عزيزاً معافى وكي تبقى الأجيال شامخة في أرضها وديارها. وهكذا تتحول وأنت المواطن العادي في وقت السلم إلى مسؤول عن الوطن في وقت الحرب مع أنك لم تكن إلا مسؤولاً عن الوطن في كل مقاربة لك كانت دائماً مصلحة الوطن تعلو أي اعتبار.

ولكنك تصاب بالصدمة والذهول حين تكتشف أن من ادعوا المعرفة والحرص وتسلموا عنان الأمور وقرروا لسنوات ما يحدث وما لا يحدث قد اختفوا في أقبية أو غادروا المدينة وتركوا البلاد فريسة سهلة للأعداء وبقيت أنت وحدك الذي لا تملك سوى ساعديك وجسدك تصد النار عن أرضك ومقدساتك بلحمك ودمك بعد أن عطلوا كل المقدرات الدفاعية تماماً كما عطلوا حركة الوطن والحياة فيه لعقود خلت. لقد أوهموك دائماً أن الوطن مسؤوليتهم وإذ به فريستهم ثم تركوه فريسة للآخرين وأصبح مسؤوليتك أنت بمقدراتك المتواضعة ولكن بإيمانك الذي لا يلين. تركوا أطفالاً يقاومون دبابات ونساء تواجه جحافل المحتلين وأبناء لا يمتلكون سوى روح المقاومة الصلبة ويواجهون جيوشاً مدججة بالسلاح وبقيت أنت أنت في العراق وفي فلسطين تزرع أشجار النخيل والزيتون وتدافع عن الأئمة والمقدسات وعن الماضي والحاضر والمستقبل فأصبح لقبك خير الألقاب وذكرك خير من يذكره الآخرون جميعاً. أصبحت في الحرب كما كنت في السلم (المواطن العربي الذي استحق شرف المواطنية العظيم لأنك باني الوطن وحامي الديار).

15 / 4 / 2003السابق

 

   

for

S&CS

 

 

المحتويات

 
  الموقف  
  برق الشرق  
  رؤية  
  اقتصاد  
  كشكول  
  غد الوطن  
  حوارات  
  تراث  
  بيانات وتصريحات  
  بريد القراء  
  قراءات  
  شآميات  
 

 

  اتصل بنا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

 ـمركز الشرق العربي |   التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرق  |ـمشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد ـالموقع | كــتب | مجموعة الحوار | ابحث في الموقع |ـ

| ـالموقف |  برق الشرق  | رؤية  | اقتصاد |  كشكول  | غد الوطن  |  حوارات  | تراث  | بيانات وتصريحات |  بريد القراء |  قراءات  | شآميات  |  ـ