مذبحة
غزة 23 / 7 / 2002
لطيفة
شارون الأخيرة
تؤشر
تصريحات الشجب والإدانة التي تصدر عقب
كل فعل صهيوني، يسفك دماء أبناء شعبنا
رجالاً ونساءً وأطفالاً، على موقف
تظاهري يتجاهل الحقائق السياسية
القائمة على الأرض، ويتعلق بمعطيات
حلم انهزامي، يرفض صاحبه أن يصحو منه،
فيطبق يديه بشدة على ما يظنه شيئاً،
لئلاّ يفقده!!
في
الحقيقة التي نعلمها جميعاً، وإن رفض
بعضنا الإقرار بها، إن المجزرة التي
نالت من الأبرياء وهم في أسرتهم، ليست
إلاّ إحدى لطائف شارون، كما كانت مجزرة
(قانا) لطيفة بيريز، ومجزرة الحرم
الإبراهيمي لطيفة المستوطنين أكلة (البيتزا)
الذين ماتزال قلوب بعض المحاورين على
الفضائيات العربية، تتفطر حزناً وأسى
عليهم.
وإنما
تستنكر الفعلة أو تشجب، إذا صدرت من
غير أهلها، أو ندت عن سياقها، أو
تجاوزت بعض المألوف في طبيعة صاحبها:
في سلمه أو حربه ورضاه وسخطه..
وما
نظن في فعلة شارون الأخيرة، أي خروج
على سياق السياسات الصهيونية.. منذ دبت
القدم الهمجية على أرضنا، فكانت (دير
ياسين) و(قبية) و(كفر قاسم) وما تلاها من
مذابح للأسرى في سيناء والجولان، وفي
لبنان في (صبرا) و(شاتيلا) بالذات.
وإذا
كان الشيء من معدنه لا يستنكر، وإذا
كان الإناء الصهيوني لم ينضح، منذ أن
خلا له الجو على أرضنا، إلا بالدم الذي
عجن به الفطير، وبُني الوكير؛ فأي وجه
يبقى للإدانة أو الشجب أو الاستنكار؟!
شارون
يزفها بشرى لوزرائه، وينتفخ بفعلته
صلفاً واختيالاً.. ويؤكد لشركائه في
السلام المجنون، هذا أنا شارون فماذا
أنتم فاعلون ؟
إن
ممارسات شارون، التي هي ممارسات
الحمائم والصقور، والتي يتمظهر البعض
باستنكارها واستفظاعها، هي من بعض ما
عنده، بل هي من ألطف ما عنده وأهونه..
ولا يجوز لنا كأمة: حكاماً
ومحكومين أن نفاجأ، إذا صحونا يوماً
كما صحونا صبيحة 23/7/2002 لنسمع أن مدينة
أو عاصمة عربية قد محيت: بإنسانها
وعمرانها، وحرثها ونسلها، بقذيفة
نووية شارونية، وإلا فلمن أعد شارون
مائتي قنبلة ورأس نووي، يكفي كل واحد
منها لتدمير مدينة كبرى مثل القاهرة أو
دمشق؟! ولمن أعد مائة وخمسين رأساً
نووياً يكفي لإبادة تجمع ميداني: مدني
أو عسكري ؟!
وحين
سيفعل شارون ذلك، سيظل بعضنا يبكي
عجزاً خلف شاشات التلفاز، إن ترك لنا
شارون تلفازاً، كما بكى الكثير منا
صباح 23/7/2002. ولكننا لن نشاهد قطع لحمنا
الممزق، ولا أجساد الرضع من أبنائنا
الذين طحنهم العدوان، لأن كل شيء هذه
المرة سيكون هباءً..!!
سيكرر
من سيبقى من وزراء الخارجية العرب
الشجب و الإنكار والاستنكار.. وسيطلب
عمرو موسى اجتماعاً للجامعة العربية،
وسيدين الفعلة أيضاً كوفي عنان.. أما
الرئيس الأمريكي بوش فسيؤكد أن عيار
القذيفة النووية التي استخدمت، كانت
أكبر من اللازم قليلاً.. مما سيجعله
يدخل الفعلة الصهيونية في خانة
الاستخدام المفرط للقوة..
بينما سيصرح رئيس الدولة
العربية التي وقع عليها الفعل: إننا لن
نسمح للعدو أن يستجرنا إلى معركة لم
نحدد زمانها ولا مكانها..
ويبقى
للصراع قوانينه وقواعده ومنطلقاته.
ويبقى قول الإمام علي رضي الله عنه..
وما ترك قوم الجهاد إلا ضُربوا بالذل،
ودُيّثوا بالصغار..
وهذا
هو الذي نحن فيه إنه: الذل والصغار!!
|