برق
الشرق
إيديولوجيا
المصالح مفتاح المغلقات
ثمة
من يعتقد أن العصر الذي نعيش هو عصر
سقوط الحب والشعر والإيديولوجيا.
وانتصاب (المصالح) بوجهها المادي
القاسي والكئيب محوراً وهدفاً للحياة
الإنسانية.
ولا
عجب أن يكون الكثير من المثقفين الذين
ارتضعوا ثدي الحضارة المادية بوجهيها (الاشتراكي
ـ أو الرأسمالي) من المؤمنين بهذه
النظرية، والمتكتفين معها.. بل ربما
يستطيع بعضهم أن يختزل الإنسان وهو
العالم الأكبر في مصلحة (عارضة) كما فعل
يوماً ماركس، أو متعة قريبة كما فعل
فرويد، ثم تسمعه يقول واثقاً (أعتقد
أن الإيديولوجيا عبر التاريخ تكونت من
خلال المصالح وليس العكس..)
وربما
تفسر هذه المقولة، بل هذه النظرية
كثيراً من واقع الأمة، التي أرهقها
التثاقل إلى الأرض والالتصاق بالتراب،
فحال بينها وبين معالي الأمور، وجعلها
ترضى بالسفساف من الموقف أو الفعل أو
القول !! وهذه بعض التطبيقات للنظرية
العصماء:
القواد
العراقيون الذين حملهم العراق عشرات
السنين على كاهله، أوسمةً ورتباً،
وعندما جاء يوم الحقيقة والوفاء، تبدى
لهم أن مصلحتهم تباين مصلحة العراق،
فتخلوا عنه ليلوذوا إلى مأمن يحققون
فيه نوعاً آخر من المصالح المستعلية
على إيديولوجية التضحية والحفاظ وحب
الوطن والدفاع عنه !!
والجولان
المحتل منذ أربعين سنة، والجيش السوري
يضرب بالسهم الأعلى من ميزانية الوطن،
يرى ضباطه الأمراء وقياداته العليا،
أن مصلحتهم في التقلب في ظلال الراحة
والدعة والأمن والأمان، فينظر الواحد
منهم في عطفيه،وينشغل بتتبع أخبار كرة
القدم أو فنانات العالم أو يكتب أمثلهم
طريقة كتاباً عن فن الطبخ!! فأي عقيدة
أو إيديولوجيا، يمكن أن تتقدم على
استمتاع المرء (بالشباب والفراغ
والجدة !!) فأي مصلحة لهؤلاء القادة في
أن يتحملوا عبء التحرير ومسئوليته
ولأوائه، وهم قد انتصبوا أصلاً لتحصيل
مصالحهم ومن ثم انشغلوا بحمايتها !!
ويهدد
وطن بالاجتياح، وتتعرض مصالحه العليا
وسيادته للانتقاص.. فيتقدم قانون
المصالح على أسطورة الإيديولوجيا،
لتسمع من يحدثك عن (السيادة النسبية)
مهوناً الانزلاق على سلم التنازلات.
فكل شيء بعد (الذات) أو (المنصب) جلل،
هكذا يقول جحا عندما اعتبر القيامة
الكبرى يوم موته هو، والصغرى يوم يموت
جميع الناس.. !!
لكن
المقاومين الذين حرروا جنوب لبنان
وقدموا أرواحهم ودماءهم دفاعاً عن
حفنة تراب، والمقاومين الفلسطينيين
الذين يهتفون نموت فداء للأقصى وللأرض
والعرض، ومن قبلهم يوسف العظمة الذي
خرج إلى ميسلون بحفنة رجال، وعمر
المختار الذي قاوم بنفر قليل مثلهم
إحدى دول المحور، وعبد القادر
الجزائري الذي تصدى للمستعمر الفرنسي
وعبد الكريم الخطابي ابن الريف
المغربي، وكل الذين سيحررون هذه الأمة
أولاً من حالة الغثائية والوهن
المتمثل في التعلق بالمصلحة وكراهية
التسامي والمجاهدة، قالوا (وما الوهن
يا رسول الله، قال: حب الدنيا وكراهية
الموت..)
نقول
أولئك وهؤلاء الذين حلقوا ويحلقون
وسيحلقون على أجنحة العقيدة مستصغرين
كل مصلحة، متحررين من جواذب الأرض، ومن
إغراءاتها وحطامها، أولئك هم الأبطال
الأفذاذ، حيثما كانوا وأينما حلوا
الأغمار الأغرار المجهولون وهم صناع
التاريخ الحقيقيون، وهم البناة لمجد
أمتهم، والمؤسسون لمستقبلها المأمول.
28
/ 5 / 2003
|