برق
الشرق
سورية
.. النظام ـ والإخوان
توافق
على الهواء من العربية إلى المستقلة
حظيت
مقابلة الرئيس بشار الأسد على قناة
العربية مساء 9/6/2003 باهتمام ومتابعة
وتقدير على أكثر من مستوى. أكثر من
متابع رأى في المقابلة خطوة إلى الأمام
في طروحات الرئيس بشار الأسد. وأكثر ما
لفت نظر المتابعين هو اعتباره
المطالبات الوطنية التي جاءت في
العرائض الموقعة من شرائح مختلفة من
المواطنين جزء من رؤيته ومشروعه
وخطته، واعتبار تكرار طرحها والإلحاح
عليها نتيجة طبيعية للبطء في تنفيذها.
كما
أكد الرئيس بشار الأسد في السياق نفسه
الحاجة إلى الإصلاح الإداري الشامل
الذي يتغلغل في بنية النظام. وفسر
الرئيس مصطلح (الحرس القديم) الذي قال
إنه مصطلح صحفي، بأنه يشير إلى أولئك
الأفراد الذين يسهرون على حماية
مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة
الوطنية.
ومع
أن الرئيس اعتبر قلق القوى الوطنية من
التهديدات الأمريكية لسورية مسوغاً
وطبيعياً، وأعلن عن مشاركته في هذا
القلق، إلا أنه أكد أن عملية الإصلاح
ينبغي أن تكون دائمة ومستمرة، وجدت
المؤثرات الخارجية أو لم توجد.
في
إطار التفاعلات حول ما أفضى به الرئيس
بشار الأسد على فضائية (العربية) التقت
قناة المستقلة مساء 11/6/2003 السيد علي
صدر الدين البيانوني المراقب العام
للإخوان المسلمين في سورية.
ومعلوم
أن فجوة كبيرة تفصل بين الإخوان
المسلمين وحزب البعث العربي الاشتراكي
منذ قيام ثورة الثامن من آذار 1963.
وانفراد الحزب بكل مفاصل الحياة
العامة، وقصر إدارة العمل السياسي في
سورية على الحزب وحده. وقد تحولت هذه
الفجوة إلى هوة بالأحداث العنيفة التي
شاركت فيها جماعة الإخوان المسلمين في
الأعوام 1979 ـ 1982، والتي انتهت بفاجعة
حماة الكبرى التي راح ضحيتها عشرات
الآلاف من عامة الناس.
ومع
أن عشرين عاماً تفصلنا عن تاريخ
المأساة الفاجعة، إلا أن الذيول
الإنسانية والسياسية والاجتماعية
للمأساة ماتزال قائمة. ولقد جرت عدة
محاولات للتوافق أو الاتفاق منذ عهد
الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي توجه
في سنواته الأخيرة إلى إعادة رص الصف
الوطني، واستيعاب كافة القوى السياسية
ولاسيما بعد انتهاء الحرب الباردة
وسقوط الاتحاد السوفياتي، وتعرض سورية
إلى أشكال من الضغوط والابتزاز
السياسي للتنازل عن حقوقها الإقليمية.
ولقد تميزت المعارضة
السورية أجمع، بما فيها الإخوان
المسلمون، برفض اللعب على الحبال
الخارجية لتحقيق مكاسب داخلية. بدأ
الرئيس الراحل بالإفراج عن أفواج من
المعتقلين، وسمح بعودة العديد من
شخصيات الجماعة بمن فيهم الشيخ عبد
الفتاح أبو غدة أحد الرموز
التاريخيين، حيث كان الترتيب ماضياً
لحصول لقاء بين الرئيس والشيخ، وعندما
توفي الشيخ، في هذه الأثناء
في السعودية، قال الرئيس عنه: إنه
ينبغي أن يكرم حياً وميتاً، وعرض إرسال
طائرة خاصة لنقل جثمانه من الرياض إلى
حلب، لكن أسرته آثرت أن يدفن في
البقيع، وشكرت للرئيس لفتته الكريمة،
وفتح بيت عزاء للشيخ في مدينة حلب حضره
وجوه المدينة والطبقة العليا من
الرسميين فيها. وصرح في تلك الأثناء
وزير الإعلام محمد عمران أن (الفرجة قد
ضاقت بين النظام والجماعة).
بوفاة
الرئيس حافظ الأسد في حزيران سنة 2000
بادرت جماعة الإخوان المسلمين من
جهتها إلى الإعلان عن رغبتها للتعامل
مع الواقع، بتطلع مستقبلي بعيداً عن
مفرزات الماضي. وكتعبير عن حسن نية
بادر الرئيس بشار الأسد خلال أشهر من
تسلمه المسؤولية إلى إطلاق ما يقارب من
ستمائة معتقل أغلبهم من الإخوان
المسلمين، كما أقدم على إغلاق سجن تدمر
الصحراوي سيء السمعة، وأصدر تعليمات
للسفارات بالتعامل الإيجابي مع جميع
المواطنين السوريين الذين يعيشون في
المنفى، ولا يحظون بأي نوع من الاعتراف
السياسي أو المدني.
ولأسباب
ماتزال غامضة انكفأت جميع الانفراجات
المشار إليها، مع انكفاء ما عرف بربيع
دمشق. مما جعل اليأس والقنوط يدب إلى
قلوب الكثيرين من المعنيين من إمكانية
حدوث تغيير ما في سورية.
ولكن الإخوان المسلمين
أجابوا على هذا الركود في المشهد
السياسي بالإصرار على المزيد من
مواقفهم الإيجابية، وتقدموا بميثاق
الشرف الوطني، الذي أكدوا أنه ليس
موجهاً ضد أحد، ولا يريد أن يستثني
أحداً، في إشارة واضحة إلى مطالبة
بلقاء وطني عام يستفيد من عبر الماضي
ويتوجه إلى المستقبل. كان أهم ما في
الميثاق الوطني أنه أعلن بصراحة ووضوح
لا لبس فيهما نبذ العنف من وسائل العمل
السياسي على الصعيد الوطني، وهي
الأخيذة التي كانت تؤخذ على الإخوان
دائماً، وينسب إليهم أنهم قد تورطوا
فيها، وكانوا يصرون على أن ما جرى كان
ضمن سياق من الفعل ورد الفعل لا يجوز أن
يسألوا وحدهم عنه.
اعتبر
(ميثاق الشرف) بأفقه الوطني، وروحه
الحوارية، القائمة على الاعتراف
بالأخر، العقائدي والمذهبي والسياسي،
والمطالبة ببناء الدولة الحديثة،
واقتراحه الاحتكام إلى صناديق
الاقتراع الحر والنزيه، خطوة إيجابية
متقدمة في فضاء (الموافقات) الوطنية
على صعيد العلاقات السورية الداخلية،
وانبثق عن ميثاق الشرف هذا مجموعة عمل
وطني، تكونت من شخصيات ونخب إسلامية
وقومية ويسارية، تدارست الميثاق،
وتفاعلت معه، ووقعته بعد إدخال مجموعة
من التعديلات عليه.
احتلال العراق والتهديدات
الأمريكية المباشرة إلى سورية (الحزب)
و(النظام) لم يفهم عند أي فصيل إسلامي
أو وطني ولا عند أي معارض سوري يؤبه له،
إلا أنه تهديد لسورية (الوطن)، وأصر
الجميع داخل سورية وخارجها، إسلاميون
وقوميون وعلمانيون ويساريون، وحكام
ومعارضون على أن سورية خندق واحد،
وموقف واحد ملتحم، وأن كل المشكلات
البينية مؤجلة ومعلقة في مواجهة هذا
التهديد.
في
هذا الفضاء الحيوي والإيجابي تحركت
عريضة الشريحة الوطنية التي أشرنا
إليها في مقدمة هذه المطالعة.. والتي
طالبت بإصلاح شامل في سورية ينطلق من
إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين،
ويسمح بعودة جميع المنفيين القسريين،
ويلغي حالة الطوارئ، ويتبنى مشروعاً
وطنياً لمكافحة الفساد، ويوجه الدعوة
إلى مؤتمر وطني عام يضع أسس الحياة
السياسية لسورية المستقبل.
انضم
السيد علي صدر الدين البيانوني على
قناة المستقلة، إلى فضاء التوافقات
الوطنية.. وبموضوعية تامة وقف السيد
البيانوني عند النقاط الإيجابية
الواردة في كلام الرئيس بشار الأسد،
التي رآها كثيرة، مقدماً الإيجابية
والتفاؤل والحرص على المصلحة الوطنية،
بعيداً عن الانغلاق والتقوقع في الأطر
الحزبية الضيقة.
لقد
أكد السيد البيانوني، على أن مطالب
جماعة الإخوان المسلمين لا تتجاوز
مطالب الشريحة الوطنية التي وقعت على
العريضة المرفوعة باسم ما يقرب من ثلاث
مائة مواطن سوري، والتي اعتبرها
الرئيس بشار الأسد جزء من رؤيته
ومنهجه، وهذا يفيد أن هذه المطالب لم
تعد جماعية بالنسبة للطيف الوطني
السوري خارج إطار الحكم، وإنما غدت
قاسماً مشتركاً يلتقي عليه الشعب
والسلطة على حد سواء.
لن
نقلل من أهمية الخلافات التي تنشأ عن
الفهم أو عن اختلاف التصورات عند
التطبيق، ولكن هذا الإجماع الوطني
يعتبر بحد ذاته إنجازاً بالغ الأهمية
في إطار الحياة السياسية السورية.
حين
اقترب السيد البيانوني من الدائرة
الأكثر إشكالية، والأكثر حرجاً كما
يقولون، وهي دائرة الأحداث العنيفة،
التي وقعت منذ ما يقرب من عقدين أكد
الأمور التالية.
ـ
أن العنف لم يكن قط من منهج الجماعة ولا
من آلياتها، وأن تاريخ الجماعة
وتعاطيها السياسي يشهد بذلك.
ـ
أن الجماعة ليست مسؤولة عن أعمال العنف
التي حصلت، وإن أقر أنها شاركت فيها،
واعتبر أن تفجر العنف كان حالة شعبية،
نتجت عن ظروف كان وراءها من يغذيها.
ـ
أصر السيد البيانوني على أن الرئيس
الراحل والجماعة كانا يحاولان
بتوافق مطرد على محاصرة الأزمة،
وامتصاص مخرجاتها، وكسر حدتها. ولكن
كان هناك دائماً من يسعى إلى توظيف
الأزمة مع انعكاساتها، ويصر على تأزيم
الوضع، وتعميق الشرخ، لتحقيق المزيد
من المصالح الذاتية.
ـ
وفي هذا الإطار أوضح السيد البيانوني
أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة
بشرية، لا تدعي العصمة، ويجوز عليها
الخطأ.
ـ
في الإشارة إلى مذبحة المدفعية التي
جرت في حلب في حزيران 1979 التي راح
ضحيتها العشرات من طلاب الضباط
العلويين، أكد السيد البيانوني عدم
مسؤولية الجماعة عن الحادثة، وعلى
أنها أصدرت بياناً في حينها استنكرتها
فيه. ولكن بيان وزير الداخلية عدنان
دباغ أصر على تحميل الجماعة
المسؤولية، في عملية توسيع لدائرة
الصراع.
وفي أكثر من سياق كان السيد
البيانوني يشير إلى أعمال العنف التي
راجت على الساحة السورية بين الفعل ورد
الفعل على أنها أعمال إرهابية ويؤكد
على قطع علاقة الجماعة بها.
وفي
تعامل إيجابي مع طرح الرئيس بشار الأسد
ضرورة محاسبة من ارتكب جرائم فردية..
قال السيد البيانوني، حين تتوفر
المحكمة النزيهة العادلة المحايدة،
فإن جماعة الإخوان المسلمين تقبل بأن
تفتح أمام هذه المحكمة جميع الملفات
على ألا يكون أحد فوق القانون، وأن
تشمل دائرة العدل الجميع.
هل
سيثمر هذا التوافق الوطني المستغرق
للساحة السورية، والذي يتم عبر الفضاء
واقعاً وطنياً حيوياً لا يستثني أحداً
ولا يوجه ضد أحد كما حلم ميثاق الشرف
الوطني ؟! بين وعد الرئيس وأمل القوى
الوطنية لا يسعنا إلا الانتظار.
14
/ 6 / 2003
|